أبو حاتم:الدين والوطن والحكمة في الدعوة- بقلم: سري سمور

10.04.2012 09:02 AM
كثيرا ما تتحول المحنة إلى منحة من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه وحده يسير الأمور ويقدرها كيفما يشاء، والشيخ الجليل حامد البيتاوي-رحمه الله- نال منحة أرادها المحتلون محنة حين منعوه من السفر إلى الأردن لتلقي العلاج، فكان أن توفاه الله في الـقدس ليصلى عليه في المسجد الأقصى المبارك جوار المحراب في سابقة تاريخية، أولو سافر إلى الأردن هل كان سيحصل على هذه الجائزة العظيمة؟ لا بالتأكيد...رب محنة انقلبت منحة من رب الأرباب سبحانه وتعالى.

الدين والوطن

تثار أحيانا قضية الانتماء الديني والعمل للدين، وقضية الانتماء للوطن أو الأرض أو القومية، وهناك ضجيج يبدو مفتعلا أحيانا، ناجم عن التباس وسوء تـقدير أحيانا أخرى، حول التناقض ما بين الانتماءين، مع أن أمثلة كثيرة في العصر الحديث تظهر رجالا عملوا على مقاومة المحتل فيما هم من أهل العلم الشرعي طلبة أو علماء؛ فالأزهري سليمان الحلبي غرس خنجره في قلب المجرم كليبر، وجاهد عمر المختار وعبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي وعز الدين القسام-رحمهم الله جميعا- المستعمرين الأوروبيين وعملوا على تحرير بلدانهم وهم من أصحاب العمائم واللحى التي للأسف تجد من يسخر منها أو يرى أنها تضعف الروح الوطنية، و في مصر ما زال الشيخ حافظ سلامة بلحيته وطربوشه الأحمر وهو على أبواب التسعين من عمره خير شاهد على ما نـقول؛ فقد حارب الإنجليز في شبابه وانتفض وثار على الطغيان والفساد اللامباركي في شيخوخته...وعليه فقد استطاع الشيخ أبو حاتم-رحمه الله- المواءمة بين التدين والتخصص في العلوم الشرعية، والعمل من أجل تحرير الوطن من الاحتلال، وأثبت على أرض الواقع ألا تناقض بين الأمرين البتة، فقد جمع بين العلم الشرعي والعمل في الإمامة والخطابة والقضاء الشرعي وغير ذلك، وبين حب الوطن والسعي لخلاصه وتحريره، فلاقى من جرّاء ذلك ما لاقى من سجن وإبعاد وتضييق، وكان من أهل الاجتهاد في جمع كلمة أبناء الشعب الواحد على القواسم المشتركة، فرأيناه يزور أبناء الطوائـف المسيحية في نابلس ويصلهم باحترام أكبروه وشكروه لأجله، ورأيناه يتواصل مع مختلف شرائح المجتمع وأطيافه حتى في أسوأ الظروف وأصعب الأزمات...فكان بحق رجلا عظيما من رجال المسلمين ورجال فلسطين دون أي تناقض ما بين دين ووطنية بشهادة الجميع، و برأيي هنا تكمن خسارتنا لهذا الشيخ رحمه الله.

الحكمة في الدعوة

كثيرا ما يتناقل زملاء وتلامذة الشيخ حامد ومحبوه وقائع عاصروها عن عمله في الدعوة إلى الله، والتي شملت غير المسلمين في دعوتهم إلى اعتناق الدين الحنيف، والمسلمين الذي ابتعدوا أو حادوا عن جادة الصواب باجتراحهم السيئات، وغرقهم في مستنقعات المعاصي، ويؤكدون أن نجاحه كان كبيرا ومشهودا، فهل يعود السبب فقط لما حازه الشيخ من علوم شرعية، ولما حفظه من كتب فقهية؟ علما بأن هناك من هو أكثر تحصيلا علميا من الشيخ وأكثر تعمقا بالمتون والشروح والأسانيد...وأرى أن السبب يرجع لكون الشيخ كان حكيما في دعوته، وعميقا في نصحه وإرشاده، بعيدا عن الغلو، ولا إفراط في منهجه ولا تـفريط، فهذا سر النجاحات الباهرة التي يتحدث عنها كل من تعامل مع الشيخ بشكل مباشر أو غير مباشر، وأتذكر قبل حوالي عشرين سنة مقابلة أجرتها معه صحيفة تصدرها الحركة الإسلامية في الداخل المحتل عام 48 فانتـقد في سياق رده على أحد الأسئلة بعض مسلكيات شباب الحركة الإسلامية حيث قال: بعض الشباب يستمع إلى النشيد أكثر من استماعه إلى القرآن الكريم....هكذا فقط فلم يـقل بأن هؤلاء الشباب ضالون أو مرشحون للضلال، أو أن مستقبل الحركة الإسلامية في خطر بسببهم وأنه سيؤتى من قبلهم، وأن الهزيمة واقعة جرّاء ما يفعلون، هو فقط نبه بأدب حازم، وهكذا هم العاملون الحكماء على ترشيد الصحوة، ومن يبشرون ولا ينفرون تطبيقا لما جاء في الأثر، فقد استخدم الشيخ سلطته الأدبية وتأثيره المشهود له بمرونة لا ميوعة فيها ولا قسوة وكلاهما(الميوعة والقسوة)من دواعي النفور والخلل وقد كان الشيخ صاحب تطبيق حقيقي لقاعدة «لكل مقام مقال» فتراه يقول للصحافي الإسرائيلي بأنكم لم تمكثوا عشرات السنين في حالة حصلت هدنة بعد انسحابكم من أراضي الضفة والقدس وغزة، وتراه في بيوت العزاء -وقد قدر الله لي أن أشهد قبل فترة موعظة له في أحدها- يدعو أهل الميت للصبر ويعزيهم ويواسيهم ويذكرهم بتقوى الله، دون أن تغيب مسألة الاحتلال عن موعظته، فيهاجم الاحتلال ويشيد بالمجاهدين أيا من كانوا وفي أي وقت جاهدوا، فيترك حين يغادر أثرا طيبا في النفوس.
والحديث عن أبي حاتم-رحمه الله-طويل ومتصل، إلا أن هذه شذرات وخواطر وملاحظات بدت لي من سيرته الحافلة بعطاء صاف والمهم الآن أن نجد من رجال الدعوة من يراعي السير على طريق الشيخ من حيث الحكمة والتدقيق في ما هو من الأولويات والأساسيات وما هو من الثانويات والهوامش فرحم الله عبده العالم العامل الشيخ حامد وغفر له وجعل الفردوس مسكنه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير