في سوريا سقط الحل العسكري وبقي النظام ومعارضوه.. ولكن.. بقلم: د.حسن عبد الله

09.04.2012 01:00 PM
روسيا والصين نجحتا تماماً في منع التدخل العسكري الخارجي في سوريا كما حصل في تجربة ليبيا، وأحاطتا الحدود السورية بفيتو مزدوج منيع وحاسم تكرر مرتين، واعلنتا انهما ستعودان الى "الفتيو" مجدداً، اذا استشعرتا أية ايحاءات او تلميحات عسكرية خارجية في قرارات دولية مستقبلية ضد سوريا. أما على المستوى الداخلي فإن الحصار المفروض على سوريا، قد حقق نتائج محدودة، فيما يتعلق باستيراد بعض البضائع والمنتوجات المرتبطة ارتباطاً يومياً بحياة الناس، وهذا يفسر الارتفاع اللافت في اسعار بعض السلع.

وبخصوص انعكاسات الحصار على مستوى المعدات والتسليح وقطع الغيار، فإن الحصار بلا أية قيمة حقيقية، ما دامت البوابة الايرانية مفتوحة على مصراعيها أمام السوريين، كما كانت سوريا بوابة الايرانين المفتوحة في الحرب العراقية – الايرانية.

أما ميدانيا، فما زال الجيش السوري بعد عام من الاحداث متماسكاً، وان الانشقاقات في صفوفه ظلت محدودة، ولم تؤثر على ادائه وفعاليته، بينما تحاول قوى المعارضة المسلحة، تحفيز وتشجيع ضباط وجنود على الانشقاق، اضافة الى استقطابها وتسليحها عدد من المدنيين المناهضين للنظام، فبقيت انجازاتها العسكرية على الأرض ضعيفة ومحدودة.

ورغم ما يتمتع به الجيش من قوة، فإنه ايضاً لم يستطع ان ينهي المظاهر المعارضة والمناهضة لنظام الحكم، لاسيما المسلحة منها. وما ان يقوم بعملية اقتحام وتمشيط في هذا الحي، حتى تندلع مواجهات أخرى في حي آخر، بخاصة في الارياف، بمعنى ان لا الجيش استطاع استئصال مظاهر وتجليات المعارضة المطالبة باسقاط النظام، ولا المعارضة المدعومة من بعض الدول استطاعت ان تحسم مدينة او بلدة لصالحها، بسبب قلة الامكانات وتبعثر الطاقات ونقص الخبرات. واذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فإن النتيجة ستكون مزيداً من القتل والتدمير واستنزاف الطاقات السورية، في ظل ان لا حسم عسكري من الخارج، ولا حسم فوري في الميدان، وهذا يعني انعدام فرص الحل بالقوة والاكراه واخضاع الآخر بالسلاح. والسؤال هل يمكن ان تستمر سوريا سنة او سنتين او ثلاث على هذا الحال ؟ الجواب نعم. لكن الخاسر هم السوريون، كل السوريين، حيث سيخسرون أمناً واقتصاداً ومكانة اقليمية وعربية، الى جانب استنزاف الجيش الذي من المفروض ان يكون له دور آخر.

وأمام هذا المشهد المتداخل والمعقد، هل توقفت عجلة التاريخ عند هذه المرحلة، وباتت سوريا خارج القوانين الموضوعية؟ نجيب بـ"كلا". فإذا كان الحل العسكري قد سدت ابوابه، فإن الحل السياسي هو الذي سيشكل ضمانة لاستمرار سوريا وعودتها قوية فاعلة في المنطقة، بيد أن ذلك ليس على حساب الحرية والديمقراطية والتعددية والتنمية الاقتصادية. الحل السياسي يتطلب حواراً هادئاً مسؤولاً، وصولاً الى اجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة وبإشراف مراقبين دوليين لضمان عدم التزوير.

والانتخابات فيما لو أجريت في اطار اشتراطات ومقاييس متفق عليها، فإنها ستحقق مجموعة من النتائج، ومنها:

اولاً: ترسيخ التعددية، لتصبح تعددية جدية وليست شكلية أو ديكورية.

ثانياً: اجراء انتخابات نزيهة بإشراف مؤسسات او مراقبين دوليين، سيشكل ضمانة لانتخاب ممثلين حقيقيين، ما يظهر حجوم ونسب التمثيل. ومن سيحظي بالفوز والحسم فليحكم سوريا وينبري لكي يترجم برامجه وتوجهاته، متسلحاً ومستنداً الى تأييد الناس.

ثالثاً: اذا افرزت الانتخابات النزيهة اغلبية صغيرة او كبيرة لحزب البعث، فإنه سوف لن يكون بمقدوره الحكم بالطريقة القديمة، وسيأخذ بعين الاعتبار ان اي اخلال سينعكس سلباً على واقعه ومستقبله. لذا فإن الحزب المذكور سيضطر للتعامل والتعايش في ظل تعددية حقيقية. واذا فازت قوى المعارضة ونجحت في حسم الوضع لصالح تشكيل حكومة برئاستها ، فإن حزب البعث عليه ان يتقبل النتيجة ويتعامل مع الوضع في اطار معارضة ايجابية داخلية.

رابعاً: ان الساحة السورية ستصبح مباراة ديمقراطية في العمل والعطاء. فمن ينجح في انتخابات هذه المرحلة، سيكون أمام امتحان اثبات قدراته وبرامجه وتوجهاته. ومن لم يفز، فهو مطالب أمام نفسه والآخرين، باستخلاص العبر والانطلاق من جديد، لعله ينجح في دورة انتخابية اخرى. وهذه هي الديمقراطية، التي تقوم على اساس تبادل السلطة.

وفي تقديري، اذا ظلت الاطراف السورية متمترسة في خندق الذات، تنكر الآخر، ولا تعترف به، وترفض الحوار معه، فإن الساحة ستحترق بنار الصراع والاقتتال ويخسر الجميع. أما اذا حسمت الاطراف امورها باختيار الحوار ومن ثم الانتخابات، فإن الوطن بأسره سينتصر. وعليه فالمطلوب من الجامعة العربية، ان تشجيع الحوار وصولاً الى الانتخابات، لا ان تسهم في سد الأفق. واذا استمرت بعض الأوساط في الجامعة العربية في الحديث عن تسليح المعارضة وتقويتها، فإنها تكون قد اختارت الحسم العسكري الداخلي الذي قد يطول ويطول، وسيحرق الأخضر واليابس، قبل ان يحمل لنا أية آفاق جديدة. أما اذا راهنت بعض الاطراف السورية والعربية على حدوث تغيير في موقف روسيا والصين، في اطار صفقات مع الغرب، فإنها ايضاً ستنتظر طويلاً، فكما الغرب ينطلق من مصالحه لاسقاط النظام، فإن روسيا والصين تنطلقان من أن لهما مصالح مختلفة عن هذا التوجه تماماً. إنها لعبة النفوذ والوجود والامتداد، التي تتقنها الدول الكبرى، ولا تتقنها الدول الصغيرة المنغمسة من الرأس حتى اخمص القدم في مشكلاتها الاقتصادية والتنموية والتعليمية والصحية... الخ.

وأخيرا اذا كانت المعارضة تقول إن لها اكثرية وان من يؤيدوها يشكلون معظم الشرائح الاجتماعية فلتثبت ذلك من خلال صندوق الاقتراع، لأنها لم تستطع حتى الآن اثبات ذلك من خلال فوهة بندقية، واذا كان النظام يقول إنه يحظى بالنسبة الاكبر من التأييد، فهذا لا يتأكد من خلال بيانات رسمية او اعلام رسمي، وانما فقط بصناديق الاقتراع.

فبعد سقوط خيار الحسم العسكري الخارجي والداخلي، فإن الحسم لا بد وأن يأتي من الانتخابات، التي إن أقصت الرئيس الأسد، فهذا شأن الناس وخيارهم، وإن ابقته فنتائج الانتخابات في الدول ينبغي احترامها. أليس هذا ما يفعله الغرب في تطبيقه لديمقراطيته. لماذا نحن نتوق في ساحاتنا العربية لاستحضار وتجريب هذه الديمقراطية، ثم نتخوف من نتائجها. لذلك على النظام السوري والمعارضة ان يدركا أن سوريا الآن تغيّرت، وان المواطن أكان مؤيداً للنظام أو معارضاً له قد تغيّر، والمطلوب التعبير عن هذا التغيير سياسياً وديمقراطياً، والا فإن الخراب والدمار سيأكل الجميع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير