تصويب العلاقة المصرية الحمساوية مصلحة مشتركة للطرفين- كتب: حسن عبدالله

15.03.2015 10:28 AM

وطنلطالما كانت القضية الفلسطينية قضية المصرين الأولى، التي دفعوا من أجلها وفي سبيلها قوافل الشهداء و استحقاقات إقتصادية كان لها انعكاساتها و تداعياتها على حياة المصريين.

وقد وصل حماس المصريين للقضية الفلسطينية ذروته في فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي قاتل على أرض فلسطين وهو ضابط في العام 1948، وعاد إلى بلاده وقد سكنت القضية الفلسطينية في عقله ووجدانه. و قد تراجع على المستوى الرسمي الاهتمام المصري بالقضية بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد، التي همشت الدور القيادي المصري للأمة العربية، و احدثت شرخاً بين مصر و الدول العربية، حيث احتاج الأمر الى سنوات لكي تعود مصر الى العرب و يعود العرب إلى مصر.

و بالرغم من تغير الرؤساء و تبدل الأولويات السياسية، إلا أن القضية الفلسطينية ظلت في الوجدان الشعبي المصري، كقضية قومية الأولى، لا تضاهيها قضايا اخرى من حيث الأولوية و الأهمية. لكن الانشغال المصري في هموم و تحديات داخلية بعد إقصاء مبارك و انتخاب مرسي و تنحيه وصولاً الى انتخاب السيسي، قد سبب بعض التراجع في الانشداد العام المصري للقضية الفلسطينية، بل الانكى من ذلك أننا نحن الفلسطينيين كنا نتابع بأسى خروج عدد من الاعلاميين المصريين مؤخراً عن سياق المألوف في الاعلام المصري و توجيه إتهامات عشوائية للفلسطينيين، و ربط  معاناة مصر الاقتصادية و السياسية و الأمنية بالفلسطينيين و قضيتهم، و أخذت الامور منعطفاً حاداً بإتهام حركة حماس رسمياً و اعلامياً بالعبث بالأمن المصري ودعم الارهاب الذي يستهدف كبرى الدول العربية، بالرغم من أنها نفت ايّة علاقة لها بما يجري على الساحة المصرية من عمليات ارهابية، الى أن اصدرت محكمة الامور المستعجلة في القاهرة قراراً يعتبر حركة حماس جماعة إرهابية، لتقدم هيئة قضايا الدولة التي تمثل الحكومة المصرية في المحاكم طعناً في حكم هذه المحكمة، حيث اعتبر محللون ومراقبون هذه الخطوة بأنها تندرج في إطار توجه جديد يرمي الى تخفيف حدة الإحتقان و التنافر بين الجانبين.

ومن الطبيعي أن تعتبر حركة حماس هذا التطور بالمؤشرالايجابي، و دعى مشير المصري أحد مسؤولي حركة حماس في خطبة الجمعة، إلى تصويب العلاقة المصرية الحمساوية و العمل على تطويرها لاحقاً لعلها تصل حد التحالف الاستراتيجي، إنطلاقاً من القواسم و المصالح المشتركة.

و الحقيقة أن معالجة الإشكالات و التعامل مع الخلافات بروح أخوية ، من شأنه أن يضع هذه العلامة في إطار مريح للطرفين، ليس من منطلق البديهيات المعروفة الدين و اللغة و التاريخ و الجوار فقط ،و إنما حتى بلغة المصالح الضيقة و الواسعة على حد سواء. فقطاع غزة الذي تقوده حركة حماس بلا مصر هو سجن كبير مخنوق بحصار إحتلالي مشدد، و أن مصر هي نافذة القطاع الوحيدة على العالم. في حين أن حماس تقرأ السياسة جيداً، ولديها خبراتها في التحليل و الإستقراء كحركة سياسية ذات وجود على الأرض، و تدرك جيداً أن مصر تعيش مرحلة جديدة، وأن عودة الإخوان الى الحكم في المنظور القريب هو ضرب من ضروب المستحيل، نظراً لحجم التأييد الشعبي الذي يحظى به الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتالي فإن للحركة حساباتها المصلحية و البرغماتية كأيّة حركة سياسية، وهي مضطرة للتعامل مع الواقع بمعطياته و إفرازاته، إنطلاقاً من حاجتها لدولة بحجم مصر.

و بالمقابل فإن المهمة الرئيسة و المفصلية للرئيس السيسي تتمثل في تحقيق الأمن و الاستقرار توطئة لتوفير مناخ اقتصادي تنموي يخرج مصر من أزماتها و يحقق لها وضعاً اقتصادياً يوفر للمواطن المصري حياة إنسانية كريمة، و الدخول في معارك جانبية مع هذه الجهة الفلسطينية أو تلك يحرف البوصلة عن إتجاهها الصحيح و يبدد الطاقات و الإمكانات  في حروب جانبية، لا تحقق أمناً ولا اقتصاداً.

فالمطلوب من الطرفين في هذه المرحلة الحساسة في التاريخ العربي، مرحلة ضرب وحدة الدول و تفتيتها تحت شعارات و توجهات أصبحت مكشوفة مفضوحة، المطلوب علاقة مصرية حمساوية تستند إلى مجموعة من الأسس بعضها تكتيكي و الآخر إستراتيجي ومنها:

1.  الاحترام المتبادل و الإنطلاق من العروبة و الاسلام و الجوار و الأمن المشترك و التنبه لأطراف خارجية تتربص بهذه العلاقة، وتعمل على تقويضها و تدميرها.

2. أن حركة حماس هي جزء من الشعب الفلسطيني، وأن أمن الفلسطينين لا يستقيم بمعزل عن الأمن المصري.
لذلك فإن اسقرار الأوضاع في مصر أمنياً و اقتصادياً، من المفروض أن يكون مصلحة فلسطينية وضمن ذلك مصلحة حمساوية.

3. وقف الحملات الإعلامية بين الطرفين، و التركيز على القضايا و الهموم  المشتركة و العلاقات التاريخية و الاجتماعية و الثقافية و النفسية التي تجمع الشعبين المصري و الفلسطيني.

4. أن المنطقة العربية تتعرض لموجة إرهابية تكفيرية تستهدف زعزعة استقرار المجتمعات،وحماس كحركة مقاومة كما هو حال حركة الجهاد تنشطان في إطار مجتمع فلسطيني متنوع يتراوح ما بين المتدين و العلماني،وتتفاعل الحركتان مع فصائل و احزاب يسارية خليط بين قومي و ماركسي، وتتعايشان في هذا الواقع المتعدد المشارب و التوجهات بعيداً عن لغة التكفير أو سلوك تقطيع الرؤوس،لذلك فمن العملي و المفيد  أن تجد القيادة المصرية في هذه المرحلة قواسم مع حركات فلسطينية غير تكفيرية، وإن كانت تندرج في إطار الإسلام السياسي.

و عليه، فإن مبادرة قيادة حركة الجهاد الإسلامي من خلال الوفد الذي زار القاهرة مؤخراَ لتسوية الطريق أمام علاقة جديدة تحتكم إلى المصالح و القواسم، من المحتمل أن تؤسس لمرحلة عنوانها احترام متبادل و حرص على حماية أمن المصريين و الفلسطينيين على حد سواء، على أرض تحاول جهات كثيرة تسخينها بل و إشعال نار الفتن و التناقضات عليها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير