الاستخبارات الأمريكية في 1973: إسرائيل ضعيفة وقد تستخدم النووي بقلم: أمير أورن

23.07.2011 05:43 PM

(المضمون: وثائق أمريكية تنشر لأول مرة عن ملابسات حرب تشرين الأول 1973 تكشف النقاب عن إخفاقات استخبارية أمريكية أيضا في توقع الحرب وفرص بدئها بل وكيفية انتهائها).

          كان بوسع إسرائيل إنتاج سلاح نووي في حرب يوم الغفران "بأعداد صغيرة" – هكذا يتبين من وثائق النزاع الإسرائيلي – العربي في العام 1973، والتي كانت سرية حتى الآن ونشرتها أمس دائرة التاريخ في وزارة الخارجية في واشنطن. ويتبين من الوثائق أيضا أنه بعد الحرب قدّرت الاستخبارات الأمريكية بأن ميزان القوى في السلاح التقليدي يميل في صالح الدول العربية، ولهذا ستنظر إسرائيل في أمر تهديدها بسلاح نووي بل وربما تستخدمه.

          في نحو 1300 صفحة التي نشرت يتبين كيف اندلعت حرب أكتوبر، وتسلسلها والإجراءات التي اتخذت لإنهائها والانتقال من الأزمة العسكرية إلى المسيرة السياسية. بين الشخصيات البارزة في الوثائق: الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، مساعده (ولاحقا وزير الخارجية) هنري كيسنجر، رئيسة الوزراء غولدا مئير، وزير الدفاع موشيه ديان، الرئيس المصري أنور السادات، الحسين ملك الأردن وزعيم م.ت.ف ياسر عرفات، الذي أجرت معه إدارة نيكسون في حينه اتصالات سرية، ضمن أمور أخرى، من خلال الحسن ملك المغرب.

          مع أن الصيغة العامة للإخفاقات الاستخبارية، العسكرية والسياسية التي أدت بحكومة إسرائيل وبالجيش الإسرائيلي إلى العمى والمفاجأة من الحرب، معروفة منذ زمن بعيد، توفر وزارة الخارجية الأمريكية في هذا المجلد مرجعية رسمية لحقائق غير مريحة لكل المشاركين في الأمر. ضمن أمور أخرى، تشكك في الادعاء المعروف بشأن غموض البرنامج النووي الإسرائيلي وكأن الاعتراف به سيمنع الإدارة الأمريكية من التجلد عن وجوده والتعاطي معه بغض للنظر.

          في 27 تشرين الثاني 1973، بعد شهر من نهاية الحرب، التقى نيكسون وكيسنجر مع زعماء الكونغرس في المجلسين ومن الحزبين. زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، مايك مانسفيلد، سأل: "هل لإسرائيل ومصر قدرة على إنتاج سلاح نووي؟". كيسنجر أجاب: "لإسرائيل قدرة على إنتاج أعداد صغيرة. أما لمصر فلا". وأضاف كيسنجر بأن "برأينا، السوفييت أيضا لم يُدخلوه. إذا لوحت إسرائيل بسلاح نووي، سيرد السوفييت بذات الشكل وسيكون هذا خطيرا جدا على إسرائيل".

          في اليوم الأخير للحرب، 24 تشرين الأول، نشرت وكالة الاستخبارات في البنتاغون، دي.إي.آي، تقديرا قاتما عن احتمالات إسرائيل للتغلب على الدول العربية في الحروب القادمة. "حتى لو تمكنوا من الخروج من النزاع الحالي، فان الإسرائيليين لن يكون بوسعهم التأكد من انتصاراتهم السريعة والحاسمة في المستقبل"، قضى مُقدرو البنتاغون، الذين اخطأوا في الأشهر السابقة في اعتقادهم بأن الجيش الإسرائيلي سينتصر بسهولة على الجيوش العربية. ولضمان أمن إسرائيل في المستقبل لن يكون كافيا بعد اليوم قوة الجيش الإسرائيلي، وستكون مطلوبة "ضمانة دولية لحدود إسرائيل؛ ضمانة أمريكية أحادية الجانب لهذه الحدود؛ أو إعلان علني بأن إسرائيل مصممة على استخدام السلاح النووي لضمان سلامة أراضيها".

          البديل الأخير، حسب تقدير البنتاغون قام على أساس الافتراض "على أن في يد إسرائيل يوجد أو قريبا سيكون لديها سلاح نووي"، وأنها ستسعى إلى ردع هجمات مستقبلية من جانب دول عربية من خلال "التهديد باستخدامه ضد القوات، المدن، الموانئ، الأماكن المقدسة وسد أسوان. سياسة إسرائيلية معلنة كهذه ستثير معارضة في أرجاء المعمورة. والولايات المتحدة ستجد صعوبة شديدة بالتالي في أن تكون مرتبطة بها، بينما العرب من شأنهم أن يهاجموا رغم التهديد الرادع، على افتراض أن إسرائيل لن تستخدمه أو أنهم سينجحون (في إلحاق ضرر بإسرائيل) رغم الاستخدام الإسرائيلي للسلاح النووي، ربما من خلال سلاح كيماوي أو بيولوجي".

"بالنسبة للتقديرات الاستخبارية الأمريكية والإسرائيلية، التي غذت الواحدة الأخرى وتبددت في تشرين الأول، تفصل وثائق وزارة الخارجية بعضا من المصادر التي ساهمت في بلورة التقديرات والخلافات داخل أسرة الاستخبارات في واشنطن. ضمن أمور أخرى، بلغ كيسنجر نيكسون في 17 أيار معلومة نقلها الملك حسين (الذي تمتع باستخبارات فائقة عن سوريا) بشأن خطط هجومية للجيشين السوري والمصري.

          وتكمن أهمية الوثيقة في إشارتها إلى التنسيق بين دمشق والقاهرة. "الخطة التنفيذية الأكثر سرية الموضوعة تتضمن هجوما ليليا لثلاث فرق، لتطهير خطوط الدفاع المتقدمة لإسرائيل في الجولان. وفي الغداة ستحاول فرقة مدرعة احتلال باقي الجولان. ويحتمل أن يوفر العراق فرقتين كاحتياطي استراتيجي. معدات عسكرية سوفييتية كثيرة – صواريخ ارض – جو، دبابات، طائرات ورادارات متطورة – وصلت إلى سوريا في الأشهر الأخيرة. الاستعدادات في مصر: طائرات قتالية من ليبيا ومن العراق نُقلت إلى مصر. السوريون والمصريون يضغطون على الأردن للانضمام إلى القيادة العربية الموحدة. يحتمل أن يكون المصريون سيبادرون إلى عملية قريبا، ولكن يحتمل أن يعمل السوريون أولا وفي أعقابهم يكون عمل مصري على طول قناة السويس. موقف الأردن: في الحرب لا يوجد للأردن أي نية لوضع قواته تحت تصرف قيادة عربية موحدة، وسيمتنع بحرص عن كل تدخل إلا إذا كان تسلل إلى أراضيه".

          قبل أسبوع من هذا التقرير، في 9 أيار، وصل الحسين إلى تل أبيب، بناءا على طلب غولدا مئير، إلى لقاء معها ومع ديان، بمشاركة رئيس حكومته زيد الرفاعي. وحسب التقرير إلى واشنطن، فان غولدا وديان "اتفقا مع الحسين بأن مصر وسوريا من شأنهما أن تخططا لعملية عسكرية ما. برأي موشيه ديان، مصر قادرة على تنفيذ عملية عسكرية محدودة، ولكن الهجوم الإسرائيلي المضاد سيصد مصر إلى خطوط أسوأ من تلك التي في أيديها الآن".

          في 20 أيار حذر كيسنجر مبعوث السادات، حافظ إسماعيل، من أنه كون القناتين السياسيتين المحتملتين، اتفاق جزئي من شأنه أن يصبح تسوية دائمة واتفاق نهائي "سيطالب مصر بتنازلات هائلة" ليستا متوازيتين، "فما الذي يتبقى لمصر غير عملية عسكرية؟". تقدير الـ "سي.آي.ايه" الذي نشر في 17 أيار، شكك في اشتعال ذي مغزى في الجبهة المصرية – الإسرائيلية "في الأسابيع القريبة القادمة" واستبعد احتمالية صيغة متجددة من حرب الأيام الستة أو حرب الاستنزاف في 1969 – 1970. وفي أقصى الأحوال، كتب المقدرون يقولون، سيبادر المصريون إلى اقتحامات كوماندو قصيرة أو قصف مدفعي، وهذه ستجر ردا إسرائيليا شديد القوة. إذا ما استعدت مصر للهجوم من الجو على أهداف مدنية في إسرائيل، سيسبق الجيش الإسرائيلي فيعمل ضدها.

          واختلف مع هذا التقدير قسم البحوث والتقدير في وزارة الخارجية في واشنطن، الذي كان تابعا للوزير وليام روجرز، خصم كيسنجر. رئيس القسم، ري كلاين، أجاد في توقع التطورات وحذر في 31 أيار من أنه رغم موازين القوى العسكرية سيشرع السادات في حرب كي يحطم الجمود السياسي. ولكن في 30 أيلول، قبل أسبوع من الهجوم، شرح كلاين لماذا تغيرت الظروف منذ أيار ووقع على تقدير استبعد احتمالية هجوم سوري.

          محاضر محادثات نيكسون – كيسنجر، والتي تنشر في الوثائق، تشكك بادعاء المؤامرة التي نسجتها الإدارة الأمريكية، سواء مع السادات أم مع مسؤولين كبار في إسرائيل، للسماح بمثل هذه الحرب أن تقع. ويتبين من المحاضر أن نيكسون وكيسنجر كانا يميلان إلى الاستخفاف باحتمالية تحقق تهديد السادات في الشروع في عملية عسكرية وأنهما قررا استئناف المسيرة السياسية والضغط على إسرائيل فقط بعد الانتخابات في الكنيست، في تشرين الأول، ضمن أمور أخرى لأنهما تخوفا من رد فعل محافل متشددة بين يهود أمريكا.

          التشدد في برنامج حزب المعراخ ("وثيقة غليلي" عن بناء يميت)، والذي جاء لمنع انسحاب ديان من الحزب، صعد مخاوف نيكسون وكيسنجر من أن إسرائيل تضر نفسها وتعرقل فرص إطلاق المفاوضات. في 6 تشرين الأول، عندما بدأ الهجوم في الجبهتين، واصلوا في الـ "سي.آي.ايه" التقدير بأن "مدة القتال الثقيل ستكون قصيرة – ليس أكثر من أسبوع. فالطرفان غير جاهزين لوجستيا لأعمال عدائية طويلة. للإسرائيليين توجد قوة لصد قدرة الهجوم السورية في غضون أيام قليلة وبذات السرعة صد المصريين إلى ما وراء القناة".

          وتصف الوثائق أيضا المداولات في القيادة الأمريكية في مسألة القطار الجوي لإسرائيل. رغم ترددها، لاعتبارات المس بتأهب القوات الأمريكية بشكل عام وفي أوروبا بشكل خاص، تجندت القيادة المدنية والعسكرية في البنتاغون لتنفيذ تعليمات نيكسون. أحد الاقتراحات التي بحثت لأن تُنقل إلى إسرائيل بسرعة طائرات سكاي هوك دون الهبوط في أوروبا (التي خشيت حكوماتها من رد فعل عربي) كان أن كل طائرة تُسلم إلى إسرائيل تنفذ أربع قفزات متواصلة من حاملة طائرات إلى حاملة طائرات، حتى إسرائيل.

          كيسنجر، الذي أدار السياسة الأمريكية بينما كان نيكسون غارقا في فضيحة ووتر غيت، حاول أن يخفي عن محافل أجنبية وضع الرئيس الحقيقي. في 11 تشرين الأول رفض أن يحول إلى نيكسون مكالمة من رئيس وزراء بريطانيا، ادوارد هيث. وقيل للندن إن الرئيس مشغول. السبب الحقيقي، كما كشف كيسنجر النقاب لنائبه في مجلس الأمن القومي، برانت سكوكروفت، هو أن نيكسون كان ثملا.

          في إحدى الفترات المسلية في وصف الطريق إلى القصور الذي وقع في يوم الغفران، يقتبس حديث بين نيكسون، كيسنجر والزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف في مؤتمر القمة في سان كليمنت في كاليفورنيا، في حزيران 1973. وقد تنافس الثلاثة فيما بينهم في قص النكات عن العرب واليهود. ما الذي أضحك بريجنيف؟ "يهوديان التقيا أحدهما سأل: "يا إبراهيم، أسمعت عن أن قبعة اسحق احترقت؟" فأجابه إبراهيم "ماذا يهمني، هذه ليست تجارتي". وعندها يقول له اليهودي الأول: "هذه ليست تجارتي أيضا، ولكن لطيف مجرد السماع".

تصميم وتطوير