الفلسطيني المُؤجل لممارسة حقوقه - جهاد حرب

12.03.2012 11:03 AM
أضحى الفلسيطينون يتقنون فن اضاعة الوقت، فمن جهة يضييع أطراف عملية المصالحة الوقت ولا ينظرون إلى عامل الزمن في لقاءات يفصل بين اللقاء والآخر ما يقارب الشهر، ويتغاضون على ما يبدو عن المعاناة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني لصالح رفاهية الفنادق وحاشية السفر و"السمر" للوفود الفلسطينية المشاركة في لقاءات القيادة الفلسطينية في القاهرة. كما يبدو أن الفلسطينيون يرهنون تحركهم السياسي برد الحكومة الاسرائيلية على رسالة القيادة الفلسطينية الموعودة. وبين المصالحة والرد الاسرائيلي يفقد الفلسطينيون قدرتهم على التحرك السياسي في مواجهة سياسات الاحتلال من جهة وينتظرالفلسطينيون ينتظرون قدرهم دون حراك أو القدرة على الحراك في انتظار المجهول أو التأجيل للمصالحة والتأجيل لممارسة حقهم في الاستقلال الوطني.

(1) الحكومة المؤجلة وإضاعة الوقت
أصاب عضوا المكتب السياسي لحركة حماس عزة الرشق وموسى ابو مرزوق عند اعلانهما ان حركة حماس طلبت تأجيل بدء المشاورات لتشكيل الحكومه, وعلى الرغم من التأخر في الاعلان مدة اسبوعين إلا أن هذا الاعلان يعبر عن رشادة في التفكير السياسي لحركة حماس "القيادة الخارجيه" وانهاء حالة التراشق الاعلامي ما بين حركتي حماس وفتح على من طلب التأجيل. وقد قلنا حينها ان طلب التأجيل ليس بجريمه حتى ينكرها طالبها، بل الجريمه هي عملية التراشق الاعلامي والتكذيب بحد ذاتها بسبب ما تجره من تأزيم فلسطيني داخلي, وتعميق عدم الثقه الشعبيه في الحركتين وكذلك بإمكانبة إنهاء الانقسام وتحقيق الوحده.
من جانب آخر أعلنت المحكمه العليا, بصفتها محكمه دستوريه وفقا لأحكام المادة 104 من القانون الأساسي, تأجيل النظر في القضيه المرفوعه من قبل النائب السابق عبد الجواد صالح والمتعلقه بعدم دستورية جمع الرئيس محمود عباس منصبي رئاسة السلطه ورئاسة الحكومه الذي نص عليه اعلان الدوحه.
وسواءً كان المرء مع إعلان الدوحه أو ضده، فإن المهم في هذه القضيه هو الأسلوب الذي لجأ إليه السيد عبد الجواد صالح القاضي بتحويل الخلاف السياسي ما بين الاطراف الفلسطينيه من صراع امام شاشات التلفزه والتصريحات العنيفه إلى أروقة المحاكم الفلسطينيه.
ويؤمل أن تلجأ الأطراف مستقبلاً إلى حل الخلاف على الدستوريه وعدمها إلى المحكمه الدستوريه لتعزيز سيادة القانون واحترام السياسيين للنصوص القانونية بطرق أكثر حضاريه.
كما أنه سواءً قررت المحكمه دستورية أو عدم دستوريه الاتفاق, فإن ذلك يضيف وقتا آخر إلى الوقت المضاع الذي تقوم به القيادات الفلسطينيه, حيث كان مقرر أن يتم اعلان الاتفاق على رئيس الحكومه في نهاية شهر كانون اول/ ديسمبر 2011, وتم تأجيله إلى نهاية الشهر الأول من العام الحالي بناءً على طلب الرئيس محمود عباس, فيما جاء التأجيل الثالث نهاية شهر شباط الماضي إثر خلافات داخليه في حركة حماس.
ولا يبدو في المدى المنظور تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني في ظل عدم تطبيق توصيات لجنة الحريات العامه، ووضع الشروط المتبادله، والاستمرار في التراشق الاعلامي، وحملات الاستدعاء والاعتقال وكذلك في انتظار حكم المحكمه الدستوريه.

(2) رسالة القياده ووقت ضائع اضافي
أعلن الرئيس محمود عباس في اجتماع استثنائي لمجلس وزراء الخارجيه العرب بداية الشهر الماضي، بأنه سيرسل إلى رئيس الحكومه الإسرائيليه وقادة العالم مذكرةً تشرح الموقف الفلسطيني من عملية السلام وخروقات الحكومه الاسرائيليه وتنصلها للاتفاقيات الموقعه من جهه، ويحدد أسس عملية السلام أو العوده للمفاوضات الثنائيه متمثلةً بقبول حل الدولتين على حدود عام 1967 وقبول وقف الاستيطان من جهة ثانيه.
وإن كان هذا الاجراء صائب من الناحية التقنيه إلا أن مصيرها مجهول او بالأحرى غير مضمون. فهل مصير هذه الرسالة ما آلت إليه رسالة الإدارة الامريكيه للقياده العراقيه عام 1990 حبيسة البريد؟ وهل هناك ثقة لدى القياده الفلسطينيه بأن الحكومه الإسرائيليه ستقبل أسس عملية السلام أو "الشروط الفلسطينية حسب تعبيرهم" ؟ وهل لدى القياده الفلسطينيه إيمان بأخلاقية المجتمع الدولي؟
تشير المعطيات الفلسطينية والاسرائيلية والدولية أنها غير مواتية لانتاج تحرك فعلي لاجبار اسرائيل على الدخول في عملية سلام جدية لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية عام 1967 أو لوجود رد إسرائيلي على الرسالة الفلسطينية المتوقعة.
1) فلسطيينيا: ما زال الفلسطينيون يفتقدون لاستراتيجة للتحرك السياسي على المستويات المختلفة، فعلى صعيد مجابهة سياسات الاحتلال الاسرائيلي على الأرض تتسم خطواتهم برد الفعل وفقدان المبادرة وعدم قدرتها على توفير الدعم الشعبي لخطواتها. فيما يبقى الانقسام سيفا مسلطا على الفلسطينيين وتحركاتهم على المستوى الدولي. كما أن الخطوات التي يتخذونها على المستوى الدولي تعوزها القراءة الدقيقة للمتغيرات الدولية من جهة، والتقديرات غير الموفقة من جهة ثانية، والتباطأ والتباعد في الخطوات واضاعة الوقت من جهة ثالثة، وأخيرا غياب الرؤيا الشمولية للخطوات الفلسطينية المتوازية وتعددية أبعادها.
2) عربيا: تنشغل الدول المركزية العربية في الأمد المنظور باشكاليات الربيع العربي، فالسعودية ودول الخليج العربي تركز جل عملها في الموضوع السوري، وكذلك تبعات التغير في كل من اليمن ومصر وتونس وليبيا. أما مصر منشغلة في اعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وإجراء الانتخابات وتشكيل حكومتها وإعادة عجلة الاقتصاد الذي تضرر خلال الثورة بالاضافة الى معالجة الاختلالات البنيوية للنظام الاقتصادي والاجتماعي. فتراجعت القضية الفلسطينية إلى المرتبة الثانية أو الثالثة في الاهتمامات العربية. وما قررارات مؤتمر القدس في العاصمة القطرية الا دليل على الوهن العربي والاسلامي في نصرة القضية الفلسطينية.
3) أما إسرائيليا: فقد أثبتت مباحثات عمان الاستكشافية الرفض المطلق للحكومه الاسرائيليه لعملية السلام، وأنها تأخذ الحسابات الداخلية أكثر من اهتمامها بعملية السلام أو صورتها على المستوى الدولي. فهي ترى التوجه اليميني للمجتمع الاسرائيلي وضعف التيارات والحركات المنادية بالتوجه نحو السلام وانهاء الاحتلال الاسرائيلي فيه. كما أن أن الاستيطان وتهويد القدس والإجراءات القمعية لسلطات الاحتلال هي جزء من أدوات أقطاب الحكومة الإسرائيلية في حملتهم الانتخابية القادمة بداية عام 2013.
4) وأمريكيا: الإدارة الأمريكية غير متفرغة للسياسة الخارجية وبالتحديد للقضية الفلسطينية خلال هذا العام لانشغالها في الانتخابات الرئاسية؛ فضمن حسابات الحملة الانتخابية والحصول على الدعم المالي والإعلامي بالاضافة الى أصوات الناخبين اليهود لن تمارس أي ضغط على الحكومة الاسرائيلية. فالادارة الأمريكية ترغب باستخدام دعمها لإسرائيل في العملية الانتخابية الأمريكية خاصة أن المرشحين للانتخابات الرئاسية يتسابقون في تقديم "واجب" الولاء لاسرائيل؛ وما تصريحات الرئيس أوباما أمام مؤتمر الايباك خلال الأيام القليلة الماضية إلا مثالا على هذا التسابق.
5) أما المجتمع الدولي: أوضح المجتمع الدولي خلال السنوات الاخيرة عجزه عن اتخاذ قرارات وأفعال لمواجهة سياسات الاحتلال الاسرائيلي على الرغم من التأييد المعنوي للقضية الفلسطينية في الامم المتحدة. لكن دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية ما زالت منحازة لصالح سياسات الاحتلال الاسرائيلي من جهة، وتغليب لغة المصالح على القيم الانسانية وأحكام القانون الدولي المنادية بحرية الشعوب وعدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة.
لكن السؤال الأساسي في حال وافق رئيس الحكومة الاسرائيلية على تسلم رسالة القيادة الفلسطينية فما هي الفترة الزمنية المتاحة للرد. وهل الفلسطينيون جاهزون بخطوات عملية سواء لمجابهة سياسات تهويد القدس وسلب الاراضي الفلسطيني في الضفة الغربية، والتحرك بخطوات عملية قادرة على عزل الاحتلال وممارساته على المستوى الدولي، وقادرة على منح الفلسطنيين قودة دفع جديدة في المواجهة السياسية والدبلوماسية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير