«فيسبوك» إسرائيلي..بقلم/ حلمي موسى
تباهت إسرائيل مع بدء الثورات العربية بأنها «جزيرة استقرار في محيط متلاطم». ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها مثل هذه التعابير التي يعود بعضها إلى مطلع الخمسينيات عندما انتشرت الانقلابات العسكرية في الدول العربية فإنها المرة الأولى التي تبدو فيها الكذبة صارخة. فإسرائيل التي تزداد فيها الفوارق بين الأغنياء والفقراء والمتدينيين والعلمانيين والحمائم والصقور ليست جزيرة استقرار إلا بالمعنى النسبي والموقت في أحسن الأحوال. وقد غاب ذلك عن رأي كبار قادة الدولة العبرية الذين قالوا ان ربيع الثورات العربية بعيد عن إسرائيل.
غير أن الأسابيع الفائتة أظهرت بوضوح أن الأمر خلاف ذلك. فثورة الفيسبوك ألهمت مجموعات متزايدة من الإسرائيليين لإعلان التمرد على أسعار نوع خاص من الجبنة المصنعة محليا والشائعة. وشهدت أغلب الأسواق نوعا من مقاطعة شعبية لذلك النوع في إطار مطالبة بتخفيض سعرها. وبعد طول مماطلة وافقت الشركة المنتجة، وهي احتكار الألبان الأكبر في إسرائيل، على تخفيض سعرها. وسرعان ما فتح ذلك الباب لموجة احتجاجات أوسع تطال العديد من جوانب غلاء المعيشة في إسرائيل.
وفي البداية حاول بعض قادة إسرائيل استغلال «ثورة الجبن» لتأكيد الفارق مع الدول العربية. فقد نهض جمهور الزبائن لتحسين أسعار صنف محدد من الجبنة عبر استخدام الفيسبوك وتويتر. وفي ذلك ما يشير إلى مستوى الحياة المرتفع وإلى طابع ثقافي ومحدودية احتياجات. لكن سرعان ما جاءت الصدمة: مخيمات احتجاج واسعة في عدد من المدن ضد ارتفاع إيجارات السكن للطلاب والشرائح الشبابية وإضرابات تتسع في صفوف عدد من النقابات المهنية وخصوصا الأطباء.. وباتت القضية تهدد استقرار الحكومة الإسرائيلية لدرجة أن رئيس الحكومة بات يعتبرها الخطر الأساس الذي يتهدد حكومته. إذ يخشى من أن تركب أحزاب، مثل شاس، موجة هذه الاحتجاجات وتخلق أزمة وزارية.
وبالفعل فإن زعيم شاس إيلي يشاي طالب الحكومة بإيجاد حل سريع لأزمة السكن وإلا فإن حزبه سوف ينسحب منها. كما أن عددا من قادة الليكود رأوا الخطر في موجة الاحتجاجات هذه وأشاروا إلى أنها قد تلحق أشد الأذى بفرصة الليكود بالفوز برئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة.
المهم الذي لا ينبغي القفز عنه هو أن الاحتجاجات حتى الآن تنحصر في الطبقة الوسطى الإسرائيلية التي تعيش في ضائقة متعددة الوجوه. لكن هذه الضائقة ليست تعبيرا عن جوع وإنما عن غضب الركيزة الأساسية للمجتمع الإسرائيلي التي تخشى على مستقبلها. وبحسب الخبير الاقتصادي في «يديعوت» سيفر بلوتسكر فإن « المحتجين يريدون حكومة تدير سياسة اجتماعية أكثر شدة. يريدون حكومة لا تنفض يديها من الجهاز الاقتصادي بل تشارك في ادارته. ويريدون رأسمالية اكثر انضباطا واقل خنزيرية واقتصادا اقل خصخصة واكثر عمومية. تعود الاشتراكية الديمقراطية الى مركز الشارع الاسرائيلي».
لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن الشرائح الأكثر فقرا في إسرائيل هم العرب والحريديون. وتشكل هاتان الشريحتان حوالي ثلث المجتمع الإسرائيلي مما يوحي بأن ما حرك الطبقة الوسطى كفيل بدفعهما لخوض الصراع لاحقا. حينها ستغدو القصة أكثر إثارة لارتباطها بعوامل أخرى قومية ودينية. وبعدها سوف يغدو من المستحيل أن يتجرأ عاقل في الدولة العبرية على التباهي بـ«استقرار الجزيرة». أحد المحتجين على ظروف السكن في تل أبيب صرخ: إذا كان المصريون قد نجحوا في تحقيق مطالبهم، فلماذا لا نستطيع؟
عن جريدة السفير/ بيروت
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء