الاحتلال يكشف زيف ديمقراطيته - صدقي موسى

03.03.2012 11:22 AM
جاءت مداهمة الاحتلال نهاية الأسبوع الماضي لمحطتي تلفزة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ومصادرة أجهزة البث والكومبيوتر الخاصة بهما، ليؤكد قاعدة أن "لا حرية لعمل وسائل الإعلام في ظل الاحتلال والاستبداد".
وسرعان ما برر الاحتلال ذلك بأن ترددات البث لتلفزيوني "وطن" و"القدس التربوي" تؤثر سلبا على سير عمل المطارات والأجهزة اللاسلكية!! في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية رفضها إدعاءات جيش الاحتلال.
وأوضحت الوزارة على لسان وكيلها سليمان الزهيري إن هذه "الذرائع ادعاءات إسرائيلية كاذبة تهدف إلى سرقة الترددات الفلسطينية لصالح الاستيطان"، واستحالة أن تؤثر ترددات بث المحطات التلفزيونية على المطارات والأجهزة اللاسلكية من ناحية فنية. كما أن إسرائيل لم تبلغ الجهات الفلسطينية المسؤولة حول تأثير بث هاتين القناتين على مطاراتها.
هذا يقودنا إلى النظر في واقع الإعلام في ظل الاحتلال والحكومات المستبدة، حيث اهتمت النظم السياسية بالإعلام وتنوعت معاملتها معه وفقا لمعايير مبادئها ومصالحها، في ظل إيمانها بأبعاد الوظيفة السياسية للإعلام والاتصال، وعلاقته بالحياة السياسية الداخلية والخارجية، وأخذت هذه العلاقة شكلا تصاعديا مع عصر الثورة التكنولوجية لما تؤديه هذه الوسائل من مهام إخبارية وتفسيرية واقناعية.
ويدرك الاحتلال جيدا أن الإعلام يلعب دورا حيويا ومهما في غير ما يريده، في الوقت الذي تجعل الأزمات والصراعات الجمهور يتعرض بصورة أكبر لوسائل الإعلام، لرغبته في الحصول على مزيد من المعلومات تجاه الأزمة أو الخطر الناتج أو المتوقع حدوثه.
ويرتبط بذلك، قناعة الاحتلال أن احتلاله للأرض وسيطرته عليها لا يكتمل إلا باحتلال الفضاء ويتمثل ذلك بالسيطرة على الترددات و"تهويدها"، وحرمان وسائل الإعلام الفلسطينية بمختلف أشكالها من نصيبها في هذه الترددات، ومن أنظمة الاتصالات الحديثة.
الاحتلال الذي يسوق صورته على انه واحة الحرية والديمقراطية، تأتي مثل هذه الأعمال لتنفي عنه ما يدعيه، وتكشف طابعه الاستبدادي ليس فقط ضد الفلسطينيين، بل ضد وسائل إعلامه أيضا، وهنا نستذكر التحذير الذي نقلته وكالة "أسوشيتد برس" –وكالة أنباء أمريكية- قبل عام من الآن، على لسان كبار الصحافيين في إسرائيل، خلال مؤتمر حول ما أسموه رياح معاداة الإعلام من قبل الحكومة الإسرائيلية.
حيث تضمنت الإجراءات الحكومية، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، اعتماد التعيين السياسي في الإعلام الحكومي وتهميش النقاد البارزين وإصدار تشريعات مناهضة لليبراليين مما قد يتسبب بعرقلة إعدادهم للتقارير الاستقصائية، وهذا ما تعرضت له القناة العاشرة الإسرائيلية –تعد واحدة من قناتين تلفزيونيتين تجاريتين- من خطر الانهيار، بعد أن تراكمت عليها الديون ورفض اللجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي طلب القناة فترة سماح مدتها عام لتسديد ديونها التي تقدر بـ11 مليون دولار مستحقة للدولة.
كما عانت القناة العاشرة من مشكلات في الحصول على نصيب من السوق منذ البداية لعدم السماح لها بالبثّ على الموجة الأرضية، واقتصر بثها على القمر الصناعي والكيبل.
واعتبر وقتها أحد مقدمي البرامج في القناة (موتي كرشنباوم) أن ما حدث مع القناة إنما هو "مناورة سياسية انتقامية. والمشكلات التي تواجها القناة فرصة للانقضاض عليها". يأتي ذلك بعد أن أجرى قسم الأخبار في القناة تقارير استقصائية عدة سببت إحراجا كبيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، منها الكشف عن نفقات نتنياهو وزوجته الباهظة في السفر إلى الخارج خلال العشر سنوات التي قضاها في منصب رئاسة الوزراء.
ويتفق حزب (إسرائيل بيتنا) -الذي يشارك في الحكومة الائتلافية والذي ينتمي إليه وزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان)- نتنياهو غضبه من القناة، بسبب عرض مقطع مصور يظهر فيه أحد وزرائه وهو يدخل منزله مع عشيقته. واستقال رئيس قسم الأخبار في القناة بعد أن أُجبر على الاعتذار عن تقرير ينتقد قطب صالات القمار في الولايات المتحدة، (شيلدون أديلسون)، والذي تربطه علاقات قوية بنتنياهو. ويمتلك أديلسون صحيفة يومية بارزة هي "إسرائيل هايوم"، التي تتعاطف مع نتنياهو، على عكس القنوات التلفزيونية والصحف التي لا تملك الدولة فيها حصة.
وهنا نسجل ما قاله الخبير الإسرائيلي في القانون والاتصالات (يوفال كارنيل): "لا يوجد أدنى شك في أن السياسيين يتحينون اللحظة التي يمكنهم فيها إضعاف وسائل الإعلام وتلقينها درسًا
(...) يقاوم السياسيون الإعلام الحر على جميع الجبهات، ويحاولون إضعافه ومنعه من الانتقاد وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الديمقراطية".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير