أكثر من مليار شيقل حجم مشتريات أهالي الداخل في الضفة
رام الله- وطن: ظاهرة اقتصادية مثيرة تحصل وتتطور بشكل عفوي بين الفلسطينيين من كلا جانبيّ الخط الأخضر، يشجّعها الجانب الاقتصادي من ناحية، والتواصل الوطني الفلسطيني من الجانب الآخر.
وتستعد الغرف التجارية في مدن الضفة الغربية، وخاصة تلك التي تقع في الشمال، مع كل يوم جمعة ليلة سبت، لتتحضّر وتتجهّز لاستقبال الوافدين إليها من الداخل، فقرب جنين من الناصرة جعل من غرفتها التجارية الأقوى في الضفة الغربية، وصلة القرابة بين طولكرم وقرى ومدن المثلث تجعل من أسواقها نشطة بصورة استثنائية على الرغم من حواجز الاحتلال والجدار الفاصل، علاقة اقتصادية غير بسيطة تستحق البحث والإدارة تجري ما بين الجليل وجنين.
وبحسب الاتفاقيات ما بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، تسلّم البنوك الفلسطينية تفاصيلها النقدية والميزانية لبنك إسرائيل الذي يقوم بدوره بشحن هذه المبالغ وتحويلها إلى دولار لحسابات البنوك الفلسطينية.
2013: أكثر من مليار شيقل حجم مشتريات أهالي الداخل في الضفة:
وكان بنك إسرائيل رفض قبل سبعة أشهر شحن مبلغ مليار و٣٠٠ ألف شيقل فائض من النقد العائد من الأسواق الفلسطينية، إذ لم يجد لها تفسيراً في السجلات الموجودة لديه، وبعد تحقيقات كثيرة، تم شحن المبلغ بعد أن تبيّن أن هذا المبلغ هو مشتريات أهالي الداخل الفلسطيني من أسواق الضفة الغربية خلال العام ٢٠١٣.
وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي، د.رجا الخالدي، حيث أشار لموقع "عرب ٤٨"، إلى أن "مصادر مطّلعة صرّحت له بأن هذا المبلغ تم شحنه بعد أن تبيّن أنه فائض مشتريات أهالي الـ٤٨ في الضفة الغربية".
الاقتصاد الفلسطيني الفلسطيني كبديل للاقتصاد الفلسطيني الإسرائيلي:
ظاهرة اقتصادية مثيرة تحصل وتتطوّر بشكل عفوي بين الفلسطينيين من كلا جانبيّ الخط الأخضر، يشجّعها الجانب الاقتصادي من ناحية، والتواصل الوطني الفلسطيني من الجانب الآخر، تبادل اقتصادي نشط تعدّى المليار شيقل في العام ٢٠١٣، ما حدا بالباحث والخبير الاقتصادي، الخالدي ليقوم بدراسة حول هذه الظاهرة التي اعتبرها بأنها "من الممكن أن تشكّل بديلاً للإقتصاد الفلسطيني- إسرائيلي، الذي لا يفيد سوى المشروع الصهيوني الاستعماري".
وقد يظهر، وللوهلة الأولى، بأن الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية كيان كامل ومستقل، وهذا ما يرفضه الخالدي في مقابلة أجراها مع موقع "عرب ٤٨"، فقال إن "الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية، ليس مستقلاً، فهو مثله مثل الجليل وغزة والقدس حتى، جزء من الاقتصاد العربي الكامل الذي كان قبل العام ١٩٤٨".
وأضاف أن "مقابل هذا الاقتصاد العربي قبل العام ١٩٤٨، كان هناك الاقتصاد الصهيوني اليهودي الذي أصبح مهيمناً فيما بعد على إثر تفتيت الاقتصاد الفلسطيني، وتحويله إلى كنتونات متفتّتة في الضفة وغزة والجليل".
عدد زيارات أهالي الداخل الفلسطيني للضفة سنوياً تقدّر بحوالي ٩٠٠ ألف زيارة:
يقول الخالدي، إن "البيانات المتاحة، تقول بأن ١١٪ من ليالي المبيت في الفنادق الفلسطينية هي حجوزات فلسطينيي الداخل، وتتابع البيانات بأن عدد زيارات أهالي الداخل الفلسطيني للضفة سنوياً تقدّر بحوالي ٩٠٠ ألف زيارة، وهو رقم مثير، أمّا المشتريات فتقدّر بحوالي مليار ومئة مليون شيقل، وهي بالأساس مشتريات من الأسواق التي تتكوّن من المواد الاستهلاكية غير المعمرة، وهذا منطقي إذا ما فحصنا تكلفة سلة المشتريات في الداخل، مقابلها في الضفة".
وتابع الخالدي بأن القطاع المهم والجديد الذي يزدهر في الآونة الأخيرة، هو قطاع الخدمات الطبية، وخاصة طب الأسنان كونها رخيصة مقارنة بالأسعار في الداخل، أمّا القطاع الآخر والجديد هو قطاع الجامعات، وخاصة الجامعة الأميركية في جنين، التي اختار لها الخالدي اسم "جامعة الجليل العربية".
وما يثير الاهتمام، أن "هذه التبادلات هي تبادلات باتجاه واحد، أمّا الاتجاه المعاكس فهو فقير، مقابل ما ينفقه فلسطينيو الداخل في الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية".
الدوافع: ما بين الثقافي الاجتماعي والاقتصادي
أما عن الدوافع التي تقف وراء هذه العلاقات وتدفع بها، قال الخالدي، إن "الدافع الاقتصادي هو الدافع الأول، سعر السلعات والخدمات في الضفة مقارنة بالداخل وأسعار إسرائيل منخفض جداً، أما الدافع الثاني فهو الانسياب الثقافي الاجتماعي الطبيعي الذي كان موجوداً من قبل، واليوم تعاد هذه اللحمة الطبيعية والقومية".
ويتابع الخالدي إن "هذه بمثابة فرصة للطرفين، فأنا على قناعة تامة بأن لهذه الظاهرة تأثير إيجابي على الانتماء والتواصل وإيجاد البدائل للاقتصاد الفلسطيني الإسرائيلي المزعوم".
إسرائيل هي العقبة
ولا تخلو هذه الظاهرة من العقبات التي تحد من تطوّرها في هذه الظروف التي تفتقد إلى التنسيق، فقال الخالدي، إن "ثلث الأسر العربية في الـ٤٨، تزور الضفة الغربية مرة في الشهر على الأقل، وهي في نمو مستمر، وعلى الرغم من الحسنات الوفيرة لهذه الظاهرة والحاجة إلى تطويرها، إلّا أن هنالك عقبات عديدة، ولكن معالجتها ممكنة".
"إسرائيل هي العقبة"، هكذا افتتح الخالدي حديثه عن العقبات التي تواجه هذه الظاهرة ونموها، وتابع إن "السلطات الإسرائيلية تعاملت مع هذه الظاهرة بنوع من الازدواجية، واضح أن إسرائيل شجّعت هذه الظاهرة على الأقل ابتداء من العام ٢٠٠٩، أولاً بهدف دعم السلطة الفلسطينية اقتصادياً، وبهدف تخفيف الضغط عن الضفة الغربية ثانياً تحت ذريعة السلام الاقتصادي".
وتابع: لكن، إسرائيل هي من يتحكم بهذه الظاهرة، وهذه هي العقبة الأساسية، فخلال حرب غزة على سبيل المثال أغلقت إسرائيل الحواجز وانخفض توافد الفلسطينيين من ٦ آلاف سيارة أسبوعياً عبر حاجز جنين إلى صفر، وهنا نرى كيف تتحوّل إسرائيل من سياسة ترويضية إلى سياسة عقابية جماعية بين ليلة وضحاها.
ويتابع الخالدي: إن العقبة الثانية، تكمن في أن توجه الفلسطينيين من الداخل إلى الضفة الغربية لشراء الحاجيات المنزلية، من الممكن أن يؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني في الداخل، وهذا ما أكدته غرفة التجارة في الناصرة، حيث قالت بأنها تلقت العديد من الشكاوي من قبل تجّار محليين جراء توجه الأهالي للضفة الغربية، وترك الأسواق في بلداتهم.
بعض التجار من الداخل، يستغلون الهوية الزرقاء ويحتالون على القانون بهدف التنصّل والتهرّب من دفع الأقساط:
وفي المقابل لا يخلو الأمر من شكاوي أهالي الضفة والمزارعين من تصرّف بعض التجّار من الداخل، فقال الخالدي، إن "هنالك بعض التجار من الداخل، يستغلون الهوية الزرقاء ويحتالون على القانون بهدف التنصّل والتهرّب من دفع الأقساط والشيكات المترتبة عليهم، وبالتالي لا يستطيع التاجر الفلسطيني ملاحقتهم لتحصيل حقوقه، وسمعت خلال بحثيّ عن العديد من هذه الحوادث المؤلمة، والتي من شأنها أن تضر بهذا التبادل الاقتصادي القائم والنامي في مثل هذه الأيام".
ولم يقف تجّار الضفة الغربية مكتوفي الأيدي جراء خسارة الملايين فيشير الخالدي إن "العديد من التجار الذين التقيت بهم خلال بحثي لجؤوا إلى الحل النقدي، بحيث لا يقبلون ولا بأي شكل من الأشكال، شيك من قبل تاجر في الداخل، وأصبحت التجارة تقتصر على الدفع النقدي فقط تفادياً لحالات تهرّب واحتيال بعد أن أصبحت خسائر التجار في الضفة الغربية بالملايين.
وعبّر الخالدي عن أسفه لطرح معيق آخر في وجه هذا التنامي، وقال إن "طرح هذا الموضوع على الرغم من حساسيته، مطلوب بهدف حل هذه الإشكالية، حيث الرؤية السائدة في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ عن الفلسطينيين في الداخل، بأنهم تأسرلوا من حيث اللباس والعادات المختلفة، هذه مشكلة وعلينا الاعتراف بها لهدف حلّها، فجراء هذه المشكلة خرج مفتي نابلس بتصريحه الذي استنكرناه جميعاً، إلّا أن علينا حل هذه المشكلة قبل أن تصبح مؤثرة أكثر على نمو الاقتصاد الفلسطيني الفلسطيني والعلاقات الآخذه بالتنامي.
السلطة الفلسطينية لا تعير هذه الظاهرة أي اهتمام، جنين نموذجاً
على الرغم من أهمية هذه الظاهرة، ونموها المتسارع، إلّا أن السلطة الفلسطينية والجهات الرسمية لا تعيرها الاهتمام المطلوب، فأشار الخالدي إلى غرفة التجارة في جنين، وقال إن "كل تاجر في جنين هو خبير في التعامل مع الوافدين من الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨، وتتأهب غرفة التجارة يوم السبت للإجابة على أي اتصال ومعالجة المشاكل، كل هذه التبادلات هي تبادلات عفوية، لا تحظى باهتمام رسمي لهدف حل المشاكل العالقة من قبل السلطة والجهات الرسمية.
وتابع: غرفة التجارة في جنين تشكل نموذجاً ناجحاً لتعزيز هذا النهج، فاحتضان الوافدين والاستعداد الكامل لحل أي مشكلة عبر تأهب الغرف التجارية بشكل خاص في أيام السبت يجعل من هذه العلاقة الاقتصادية تنمو بصورة جيدة، ولو قامت السلطة الفلسطينية بالحذو في هذا الاتجاه لاستطعنا أن نحمي هذه الظاهرة.
ويشدّد الخالدي على أن "هذه الظاهرة التي تنمو بشكل عفويّ، تستحق المبادرة لهدف حل المشاكل وبناء غرف تنسيقية، لتسهيل هذه التبادلات وتعزيزها وتطويرها، بالإضافة لإيجاد حلول قضائية لضمان حقوق كل من التجّار من خلال تدخّل السلطات الفلسطينية وتنسيقها مع لجنة المتابعة، وكي لا نصل إلى حد خروج تصريحات تشبه تصريحات مفتي نابلس الأخيرة، وبالتالي ضرب هذه الظاهرة المفيدة والغاية في الأهمية، لا يوجد أي استدراك سياسي لهذه الظاهرة من قبل السلطة الفلسطينية، وأنا أطالب باستدراك سياسي على أعلى مستوى وفعل تجاري لتشجيع هذه الظاهرة".
وعن القدس، يقول الخالدي، إن "الجزء الأكبر من مشاكل القدس الاقتصادية على أهالي الداخل الفلسطيني أن يساعدوا على حلها، من خلال الزيارات المتكرّرة ودعم المدينة ليس على الجانب الاقتصادي فقط بل على السياسي أيضاً، العلاقة ما بين الضفة والقدس تقطع بشكل نهائي ومتنامي بسياسات ممنهجة، وبالتالي على أهالي الداخل الفلسطيني المساهمة في حل المشاكل العالقة في القدس".
نقلاً عن موقع "عرب 48"