العملية الانتخابية في تونس والواقع الفلسطيني!

28.10.2014 08:10 AM

وطن- كتب:عقل أبو قرع:

قبل ايام، مرت تونس بتجربة انتخابية هادئة ورائعة، وحسب المراقبين والاحزاب المشاركة، كانت التجربة او اليوم الانتخابي، يوما تاريخيا في تاريخ تونس، ومن الواضح ان تونس، البلد العربي الاول في الربيع العربي، والذي كان السباق، لما تبعة من ثورات ومن تغييرات جذرية في المنطقة، يمكن ان يكون كذلك السباق، في احداث التغييرات الايجابية في المنطقة، اي التغيرات نحو القبول بالاخر، والاحتكام الى الناس لكي يقرروا، والاهم هو الايمان بمبدأ التشاركية والتنوع، بعيدا عن الاقصاء او عن الاحتواء او العزل او التجاهل، لان البلد للجميع، والبلد او المجتمع الصحي والسليم، والقادر على التنمية والتقدم، هو المجتمع الذي يؤمن  بالتنوع والتعددية، بل ويسعى اليها ويعمل جاهدا من اجل الحفاظ عليها، لا ن التعددية بحد ذاتها تعني الاجتهاد من اماكن مختلفة وباتجاهات مختلفة، وهذا مصدر قوة،  ولكن الذي يختار الاتجاة الانسب او الاكثر قبولا ومن خلال صناديق الاقتراع،  هم الناس، وهذا ما هو مفترض ان يكون عندنا، اي في واقعنا الفلسطيني؟

والتعددية في تونس، ذلك المجتمع الحضاري المرن والذي يحترم الاراء والاتجاهات، كانت واضحة، وانعكست من خلال عدد الكتل والاحزاب والقوائم الانتخابية المشاركة، ومن خلال تنوع المواقف والاتجاهات السياسية، من اليسار الى اليمين، ومن خلال تنوع البرامج الاجتماعية والاقتصادية، ومن خلال تمثيل مختلف شرائح الناس، من العمال والفلاحين والمثقفين، وحتى الطبقة السياسية البيروقراطية التي حكمت سابقا، وما الى ذلك، ولكن كان القاسم المشترك بينهما هو الموافقة على القبول بقرار الناخب والقبول بالنتائج، وبالتالي احترام ارادة الاغلبية والعمل في ظل قانون ودستور ينظم عمل الحكومة، وهذا ما هو مفترض ان ينعكس على واقعنا، وبالاخص بعد فترة ليست قصيرة ة من اخر انتخابات تمت عندنا؟ 

ورغم القلق والخوف والخشية من احداث تعكر العملية الانتخابية،  الا ان تونس قد نجحت، ومن خلال تنظيم وتنفيذ الانتخابات على عدة اصعدة، منها انها اثبتت ان ثورات الربيع العربي، يمكن ان تحقق نتائج، ويمكن ان تصل الى الديمقراطية من خلال اختيار حر وشفاف ومنظم للناس، وانة من الممكن ان يقرر الناس وبأرادتهم من يمثلهم، وهذا درس لبقية المجتمعات التي ما زالت تتخبط في ردات او في نتائج التغيرات او المبادرة الى التغيرات في بلدانها، ونجحت تونس كذلك في تنظيم عملية تمتاز ولو بشكل نسبي، بنوع من النزاهة والشفافية، بعيدا عن العقليات والثقافات التي اعتدنا عليها، والتي تقرر الفائز مسبقا وبأغلبية او بنسبة فوز معدة مسبقة؟

وتجربة تونس نجحت في الاثبات انة يمكن التعايش تحت مظلة البلد الواحد ومصلحة البلد الواحد، لكل الاطراف والالوان، وفي ظل احترام الاخر والاهم احترام خيار الناس وبالتالي الالتزام بحكم من يختار، والاهم ان كل هذه التجربة محكومة بسقف او بفترة زمنية، اي انه وبعد هذه الفترة، فأن من يحكم على ممارسات الجهة الحاكمة وبالتالي يقرر هل تبقى و تتغير، هو الناس، وان استمر هذه الوضع وبأنتظام في تونس، فأن ذلك يعتبر انجازا حضاريا من المفترض ان يكون قدوة للاخرين، ومنهم نحن. 

وتجربت تونس نجحت كذلك في تغليب المصلحة الوطنية، على مصالح فردية او مصالح احزاب او تكتلات، واستطاعت من خلال ذلك، تجاوز مراحل صعبة ومدمرة حدثت في دول عربية اخرى، وتغليب مصلحة البلد ومصلحة المجتمع، يعني الابتعاد عن الانفراد في قرارات مصيرية، والتعاون والتشارك مع الاخرين، في عملية البناء والتنمية والتقدم، لانة وبدون مشاركة الاطياف المختلفة، لن يحدث التقدم الذي يريدة المواطن والناس، وهذا من المفترض ان يحدث عندنا؟

وفي بلادنا، وعلى امتداد فترات متعددة ومختلفة، تم العمل والتعايش وفي احيان عديدة بأحترام وبتقبل وبدون اقصاء او احتواء مع الرأي الاخر المختلف، وتم في احيان كثيرة النظر الى المصلحة العامة بعيدة المدى، كأساس للعمل، وسواء اكان ذلك خلال العمل العام في احداث هامة كالانتفاضة الاولى مثلا، او على صعيد عمل مؤسسات او مجالس محلية، او وكما كان يتم وما زال من خلال عمل الكتل الطلابية المختلفة داخل الجامعات الفلسطينية، والتعايش معا وتقبل الاخر واحترام الاغلبية والعمل معا لتحقيق اهداف سواء اكانت نقابية او سياسية عامة.  

وبالتالي فالوعي والخبرة موجودتان في مجتمعنا، وهناك تجسيد للمؤسسات، وهناك التزام او حتى التميز بأجراء الانتخابات وتقبل نتائجها، وهناك المعرفة بطبيعة الاخر وحتى التنسيق والتشاور، وهناك تجارب كثيرة تم تغليب المصلحة العامة من خلالها، والاهم انة لم يوجد ولا يوجد العمل من خلال الاقصاء او التجاهل للاخرين، ورغم ذلك ما زال التشرذم والانقسام والتمزق وتغييب المصلحة العامة موجود، وما زال تشتيت الجهود والامكانيات والمصادر وحتى اضاعة الوقت في اشياء لا تحقق لنا صغيرا او كبيرا، وما زلنا ننظر الى الماضي ونحاول ان نفسر ما حدث، ونلوم الاخرين، بدلا ان نتطلع الى المستقبل ونستثمر الوقت والامكانيات فيما يمكن عملة، وكيف يمكن ان نحقق الافضل للمواطن وللبلد وللمجتمع.

واذا كان النموذج التونسي الذي يحتضن الجميع هو الاقرب الينا، سواء من خلال الخبرة او الوعي او تجدر مؤسسات وقيم، وهو الاقرب الينا من خلال الظروف الخاصة التي نحيا فيها، وهو الاقرب الينا من خلال ممارسة او الايمان بثقافة العملية الانتخابية والديمقراطية واهميتها، واذا كانت تداعيات النموذج الاخر من الاقصاء واضحة لنا من تدمير وتأخر واعاقة للتنمية وبانواعها، وبالتالي لماذا لا نقتدي بالنموذج التونسي، من خلال الاحتكام الى المواطن والناس، ومن خلال الانتخابات، ومن ثم التوافق على دستور يشمل الجميع ويضمن حقوق الجميع، ومن خلال ارساء حقيقي لاسس الديمقراطية،  لانة بدون ذلك لن يتحقق لنا تنمية ولا تقدم، بأي شكل من الاشكال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير