ما يجري في القدس ليس بمحض الصدفة!

27.10.2014 09:01 AM

وطن- بقلم: عقل أبو قرع:

 لاشك ان ما يجري في مدينة القدس وما حولها هذه الايام، لم يأتي بمحض الصدفة، او نتيجة حدث فردي معزول يجري هنا او هناك، او كرد فعل على قرار متسرع او عشوائي او انفعالي، وانما يأتي كمحصلة لسياسات وقرارات وممارسات واعمال ومحاولات لتغيير الواقع على الارض، تراكمت مع الزمن، وافرزت او ولدت حالات من الكبت والاحتقان والغضب، تمثلت بما جرى ويجري هذه الايام، وهذه السياسات والممارسات الاسرائيلية، والتي كان الهدف الرئيسي لها هو عزل القدس واهالي القدس، والاماكن والمقدسات التي تحويها القدس، عن بقية الفلسطينيين في الضفة وغزة، والتي هدفت وتهدف الى الاستفراد بالقدس، والى فصلها، وبالتالي ابعادها، وبشكل عملي، عن اطار الحلول السياسية التي يمكن ان تشهدها المنطقة والعالم؟

وسياسة العزل هذه، ومن خلال تراكم السنين والاجراءات والممارسات على الارض، ادت ليس فقط الى العزل الجغرافي لمدينة القدس، عن بقية الاراضي الفلسطينية، ولكن الى العزل الاقتصادي المتواصل والمدمر، وذلك عن طريق فصلها عن شريانها الاقتصادي، سواء اكان من شمال الضفة او من جنوبها، ولا نبالغ اذا قلنا ان الحياة تتوقف في القدس مع غروب الشمس او حتى قبل ذلك، وان الشوارع تخلو قبل ان تخلو المحلات من الناس ومن نشاطاتهم، ويتوقف الاقتصاد الضعيف الهش، والمثقل بالكثير من الاعباء الضريبية وبأنواعها، والمجبر على ان يتماشى مع مستويات معيشة عالية، ومع اعتماد اجباري على الاسرائيليين، وما يروق لهم من سياسات تتعلق، بالبناء والاسكان وبالكهرباء والمياة والصحة وما الى ذلك؟

وسياسات العزل لمدينة واهالي القدس، ومع الزمن والتراكمات، ادت كذلك الى نوعا من العزلة الاجتماعية والثقافية، وصحيح ان الطرق مفتوحة لمن يحمل هوية القدس لكي يصل الى رام اللة في الشمال مثلا، او الى بيت لحم في الجنوب مثلا، ولكن ربما الرحلة او الزيارة لقريب او لعائلة او لصديق او لزميل في رام اللة، والتي في الظروف الطبيعية، تأخذ في العادة حوالي ربع او نصف ساعة، فأنها  في الظروف الحالية المعقدة،  يمكن ان تأخذ ساعة او ساعتين او اكثر، وهذا مع التوتر والضغط وضياع الوقت والطاقة، وهذا يؤدي الى التفكير مليا في اعادة هذه الرحلة مرة اخرى، وما ترتب ويترتب على ذلك من عزلة اختيارية او عزلة اجبارية بشكل غير مباشر على القدس واهالي القدس، وما لذلك من ضياع من مصالح او تضرر علاقات او حتى الشعور ب الالم وفقدان او قلة الحيلة؟

والقدس، ورغم السياسات و التغيرات الهائلة التي حدثت فيها وعليها خلال السنوات الماضية، تبقى راسخة في الاذهان عند الناس، سواء في الضفة او في غزة،  من خلال صورتها القديمة، التي من الصعب التشويش عليها، سواء اكانت تتعلق بأماكن العبادة، او المحلات التجارية، او المراكز الثقافية، او الازقة، او الشوارع والمعالم، او حتى الضواحي، ورغم هذه التغيرات،  والتي هي مقصودة من اجل تغيير القدس، ورغم الحملات الاعلامية والثقافية، ورغم الابعاد الاقتصادية لهذه التغيرات، تبقى القدس بصورتها القديمة، ورغم  سنوات الاغلاق  والحواجز، تبقى هي القدس التي يذكرها كل فلسطيني حين يسمع بالقدس، وبالاخص هذه الايام حين الحديث عن ما يجري فيها من احداث؟

وبدون شك ان السياسات والاجراءات الاسرائيلية،  التي تراكمت وترسخت واصبحت جزء من الروتين في القدس، هي التي ولدت ما نشاهدة اليوم، من التعبير عن الكبت والغضب والالم وعدم الرضا، او عن عدم القبول بالواقع الراهن، والتي افرزت جيل لا يأبة بفرض الامر الواقع، ويطمح وبل يعمل الى التغيير.

وبغض النظر عن الاسم التي يتم اطلاقة على ما يجري في القدس هذه الايام، سواء اكانت انتفاضة او هبة او تعبير عن احتقان او الى ما ذلك، فأن سياسة العزل التي تم اتباعها على مر السنين، سيكون لها وبالاضافة الى ما يجري اليوم، سيكون لها تداعيات بعيدة المدى، سواء اكان ذلك على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي، والتي من اثارها الحالية، هي عدم القبول بها او التسليم بها، او بعنى اخر عدم التسليم بمقولة العاصمة الموحدة والابدية، وعدم التسليم بأطروحة عزل القدس عن محيطها وعمقها، وبالاخص عند الجيل الشاب؟

ورغم التهديد بقمع او وضع حد لما يجري في القدس، سواء اكان من خلال زيادة اعداد الشرطة او من خلال تنوع  الاجراءات، الا ان هناك اطرافا وجهات وكتاب في الجانب الاسرائيلي بدأوا يلمحون الى ان ذلك وحدة لا يكفي، وان تراكم السياسات والاجراءات والاعمال على الارض، يتطلب تغييرا جذريا في التفكير وفي السياسة، وحتى في الاعتراف بانة لا يمكن عزل القدس او تجاهلها في اية تسوية قادمة، وبأنة من غير المنطق او البديهي ان يتم التعامل مع مسميات مثل الضفة او غزة او مناطق ج او ب، في اية قرارات او صفقات قادمة، بدون ان تكون القدس في لب او صدارة كل هذه الترتيبات؟

وبغض النظر عن الكيفية التي سوف تؤول اليها الاحداث الحالية التي تجري في القدس، وعن الاهداف التي سوف تحققها، او عن الاجراءات الجديدة التس سوف تفرضها، او عن التغيرات في السياسات التي ربما  سوف تنتج عنها، الا ان هذه الاحداث، وفي القدس بالذات، وفي هذا الوقت بالذات، الذي تتخبط فية الاحداث في المنطقة العربية والعالم من حولنا، وفي الوقت الذي يشهد جمود العملية السياسية وعدم وضوحها، وفي هذا الوقت التي باتت الاولويات في المنطقة ليست لنا او لصالحنا او حسب خططنا، في هذا الوقت، سوف تثبت القدس انة لا يمكن عزلها، ولا يمكن ابعادها او تجاهلها، ولا يمكن حتى التأثير على التواصل الطبيعي مع محيطها، سواء اكان هذا التواصل، سياسيا او اقتصاديا او دينيا او اجتماعيا او ثقافيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير