"حادث جبع" استهتار بالطفولة ! بقلم | الواثق طه

19.02.2012 08:34 PM
حتى يُصبح الطفل حقيقة مولودة؛ يخوض والداه مراحل من الترقب، والإرهاق، واللهفة، والاستعداد النفسي والمادي. وحتى يُصبح ذات الطفل إنسانا يستطيع المشي والنطق؛ تبذل الأم جهدها في تعليمه والأب كده وعرقه في تنشئته يدا بيد مع كل من سيهتم له... لذا يكون الطفل في سنه أكثر من مجرد إنسان، بل هو أمل وخلاصة بشرية يهتم لها أفراد اجتهدوا لأجله.

وفي "مأساة جبع" التي أودت بحياة كل من كان فيها من أطفال صوب المهالك - فمن لم يمت منهم أصيبت ذاكرته بجرح الحزن والقلق حول صعوبة التعايش مستقبلا مع بصمات تركها الحادث-، لا يمكننا اختزال الحدث - لمن يريد انتقاد أدائنا الفلسطيني - في مجرد حادث تأخر أو تباطأ أو وصل مسرعا إلى مكان وقوعه دفاعنا المدني أو إسعافنا وهلالنا الفلسطيني؛ بل يتعين النظر إلى مسألة ترتبط "باستهتار مُشين بالطفولة" يشترك فيه كل المجتمع الفلسطيني !!

والأمثلة على هذا حاضرة - تظهر بلا ضمير مسؤول - فمثلا : في فلسطين يقبل المجتمع التعليمي والسلطة الأسرية بخروج الأطفال في رحلة مدرسية في أجواء إن لم تكن عاصفة فهي مقدماتها الخطيرة كما حدث بالأمس ! وفي فلسطين نستخدم حافلات قديمة - موديل 80 - لنقل فلذات أكباد الناس !! وفي فلسطين لا يتعلم الطفل الانضباط الحقيقي الذي يكفل حسن التزامه بأمنه وسلامته، والسبب ليس خللا في الطفل بل في مجتمعنا ونظامنا الذي لا يتبنى أكثر من "ورشات عمل - إعلامية" دون تغذية حقيقية لتلك القيم السلوكية التي تساهم في خلق مواطنين مسؤولين وأطفالا يخطون صوب الإدراك والوعي لصالحهم.

أيضا، في فلسطين يمكنك أن تشاهد أطفالا في الشارع يتجولون بلا رقيب ! فلماذا - مثلا - يدخل إلى مقهى رام الله أثناء احتسائي القهوة أطفال لبيع "العلكة" وحين أسألهم : هل أنتم في المدرسة؟ .. يجيبون بنعم ! إذا لماذا تبيعون العلكة ؟ بالطبع لم يجبني أي طفل منهم ...!

لا زلت أذكر ذلك الطفل الذي قال لي بأن والده يعمل و أمه تعمل ولست أدري حتى الآن لماذا يبيع "أغلفة الهويات" أو "العلكة" أو ملصقات آية الكرسي !!

وفي ظاهرة أخرى؛ يتكدس الأطفال في"الفوردات" كأنما هم صناديق خضار يتم نقلها ! وفي المدارس هم كومة من اللحم في غرف هي أسوأ ما يمكن أن تكون وبأعداد غير مقبولة ! وحتى كثير من المدارس تُبنى مطلة على شوارع مزدحمة ومتخمة بالأزمات المرورية ! علاوة على رفض كثير من السائقين أيصال الأطفال وحملهم بحجة "الأجرة" المنخفضة على الطفل !

ولا يقف الأمر على هذا الحد، بل كثيرا ما نجد أطفالا يركبون مع "أسرهم" في سيارات يمتلكونها دون اهتمام لحزام الأمان أو معايير السلامة، والبعض لا يمتلك كرسي الأطفال!

إن هذه الملامح كلها تكشف عن وجه قبيح للاستهتار يتغذى من ثقافة الرضوخ والقبول بحجة أن علينا أن نصبر ! فالظروف غير مواتية ! والأزمات محيقة بنا ! والتقشف مطلوب، ولست أدري ما هو الصبر الوطني المطلوب والمبثوث - في أذهان الناس - حول حافلة منتهية الصلاحية أو "فورد" يختنق بأطفال المدارس!!! ا هل ستخدمنا هذه الظواهر في مواجهة الاحتلال؟ أم في إقامة الدولة؟ أم في رفع خط الفقر؟ أو أنها ستجلب لنا المانحين ؟!

ما حدث في جبع مأساة اشتركنا فيها جميعا حين قبلنا بأن نُعامل الأطفال بالحد الأدنى من المعايير المطلوبة للتنشئة الجيدة ونحن نمتلك ما هو أفضل لهم ثقافة ووعيا. هي مأساة حدثت ربما بفعل القدر والظروف؛ لكن أساسها مبني على استهتارنا حين قمنا بمنح يد القدر أرواح أبنائنا بسهولة ويسر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير