القانون الأساسي خطوة إلى الأمام .. خطوتان إلى الخلف- جهاد حرب
17.02.2012 06:43 PM

يؤسس هذا الطرح لوضع سابقة في قواعد النظام الدستوري "الحديث" في فلسطين بحيث يكون حل كل أزمة سياسية بتعديل القواعد الدستورية بدلا من انسجام العمل السياسي مع قواعد القانون الأساسي والتشريعات النافذة، أو الذهاب إلى إجراء تعديلات شخصية للقواعد الدستورية. إن التعديل المقترح بمواءمة قواعد القانون الأساسي للحل السياسي الذي تم في اعلان الدوحة بدلا من انسجام الحلول السياسية مع قواعد القانون الأساسي تخلق أزمة جديدة أكثر عمقا. كأننا نقول أن معالجة الأخطاء تكون بتغيير القانون وليس بعدم خرق القانون.
كما أن التعديلات المستعجلة على هذا النحو ستخلق اشكاليات من نوع جديد كتلك التي خلقها التعديل الدستوري عام 2003 بسبب الاستعجال وعدم فتح النقاش في المسائل الدستورية التي تشكل عقدا اجتماعيا بحاجة إلى التروي من ناحية وصياغة حكيمة للقواعد الدستورية لخلق الانسجام ما بين مؤسسات النظام السياسي.
أحدث التعديل الدستوري للقانون الأساسي بتاريخ 19/3/2003 نقلة نوعية في بنية النظام السياسي سواء لفصل مؤسسة رئاسة مجلس الوزراء عن مؤسسة الرئاسة، أو رفع قدرة المجلس التشريعي على إعمال مبدأ المسؤولية السياسية على أعمال الحكومة الفردية منها والتضامنية. لكن التعديلات المستعجلة العام 2003 لم تتمكن من صياغة مواد القانون الاساسي بشكل مُحكم لتنظم العلاقة بشكل دقيق ما بين رئاسة السلطة الفلسطينية ورئاسة الحكومة من ناحية، ولم تراعِ القواعد الدستورية احتمال وجود رأسين في السلطة التنفيذية من حزبين مختلفين ومتنافسين من ناحبة ثانية، بالاضافة إلى غياب تقاليد وقواعد سياسية حاكمة لأجهزة الدولة وداعمة للنظام لمنع حدوث انفجار له في حال اختلت التوازنات السياسية فيه من ناحية ثالثة، مما أدى الى صدام أنتج حالة الانقسام الفلسطيني أو الاستعصاء الدستوري.
وأنتج حالة غير دستورية تمثلت بتشكيل حكومتين واحدة في الضفة وأخرى في غزة وهما حكومتان لا تنسجمان مع النصوص "أحكام" الحرفية للقانون الأساسي. كما انتهت ولاية كل من رئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي في 25/1/2010 خلالها، ولم نجد من يطالب بتعديل القانون الأساسي لتمديد مدة ولايتهما أو يفسح المجال لاجراء الانتخابات انسجاما مع القانون الأساسي.
وأعتقد أن الأهم في هذه المرحلة هو تشيكل حكومة التوافق "حكومة الانقاذ الوطني" واعلانها الإلتزام بأحكام القانون الأساسي. وبدلا من المطالبة بتعديل القانون الأساسي، باتجاه الجمع بين منصبي رئيس السلطة ورئاسة الحكومة، ينبغي مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية بعرض حكومته على المجلس التشريعي لنيل الثقة بصفته رئيسا لها، وقبوله بالمساءلة البرلمانية له ولحكومته عن أعماله بصفته رئيسا للحكومة. هذا الأمر يقربنا إلى تبني النظام البرلماني.
وإذا كان لا بد من التعديل الدستوري، فإنه ينبغي لأي تعديل قادم للقانون الاساسي إن يطور النظام السياسي الفلسطيني باتجاه النظام البرلماني الذي ينتخب رئيس السلطة الوطنية من قبل المجلس التشريعي وله دور رمزي في الحياة السياسية، فيما يتحمل رئيس الوزراء والحكومة كافة أعباء العمل السياسي والتنفيذي المتعلقة بالسلطة ويخضع للمساءلة البرلمانية من قبل المجلس التشريعي. فخطوة اضافية الى الأمام في تطوير النظام السياسي الفلسطيني بدلا من العودة الى النظام الرئاسي الفردي دون حول ولا قوة للمجلس التشريعي. وهذا يتطلب منح متسع من الوقت ليس فقط أمام البرلمانيين بل لفتح نقاش مجتمعي واسع لعدم الوقوع النظام السياسي في اشكاليات دستورية جديدة يمكن تلافيها في حال أُحكمت صياغة القواعد الدستورية، وأُحسن بناء مؤسسات الدولة "السلطة الفلسطينية" بعيدا عن الحزبية، واستوعبت القوى السياسية مبدأ تداول السلطة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء