" عرب اّيدول " يطغى على الثورة السورية والأقصى وخضرعدنان في صالون الحلاقة !

12.02.2012 09:56 AM
بقلم: سامر عواد- القصة حدثت خلال الليلة الماضية لدى تواجدي في احدى صالونات الحلاقة؛ كان في الصالون ثمانية شباب يافعين و أنا العبد الفقير لله، وبجانبي رجل في بداية عقده الخامس من عمره؛ كنا نتابع اّخر مستجدات وتطورات قضية الأسير الشيخ خضر عدنان عبر إحدى الفضائيات، وما اّل إليه وضع الشيخ الذي دخل في يومه ال56 على التوالي في اضرابه عن الطعام احتجاجاً على الإهانات التي يتلقاها في سجون الإحتلال الإسرائيلي. اضافة إلى أنباء تتعلق بنية المستوطنين اليهود وقادة حزب " الليكود " اليميني باقتحام المسجد الأقصى المبارك...

وعندما انتهى الحديث عنه تحولنا لفضائية أخرى لمتابعة شأن الثورة السورية وما جديدها... أما الشباب الثمانية كان كل و احد منهم يلهو بهاتفه النقال ويتبادل أطراف الحديث وتوافهه مع جاره في المقعد المجاور له غير اّبهين لمشاهد القتل والجثث الغارقة بدمائها، وربما لا يعلمون من هو خضر عدنان، وغير مُكلفي أنفسهم على الأقل بإظهارحميتهم أو حتى تخوفهم من نية المستوطنين المُحتلين من اقتحام الأقصى وتدنيسه.

دقت ساعة الصفر لِ " عرب اّيدول " وكأنما حطَ على رؤوسهم الطير!! طلبوا من صاحب الصالون مشاهدة البرنامج المذكور عبر شاشة " Mbc" فرفض جاري في المقعد ذو العقد الخامس الأمر قائلاً لهم: " يا شباب في اشي أهم من اشي ومن اللي بتقولوا عنه شوفوا هالجثث و الدم ووو هذول بشر و دمهم من دمنا، خلونا نشعر معهم وبمصيبتهم على الأقل" ...

ثمانيتهم سخروا من كلامه وأصروا على موقفهم! و هو أصر على موقفه؛ فَحسمَ صاحب الصالون الأمر لصالح " عرب اّيدول " ..!! فقام الرجل من مكانه وانصرف " غضبان أسفا " مُتمتماً بكلمات الأسف ليس على ما تلقاه من معاملة غير مؤدبة منهم بل على حالهم الذي هم فيه..

أما أنا الشاهد المذبوح بينهم؛ فضلتُ الصمت و البقاء كي أشاهد الكنز الذي لا يمكنهم أن يفوتوه على أنفسهم؛ مُتسائل عن قدر الغنيمة التي تستحق استبدال " الذي أدنى بالذي هو خير " و تجعلهم يخسرون إنسان بعمر والدهم أو يسببوا له الأذى النفسي بسببها؟

وأخيراً.. بدأ برنامج " عرب اّيدول العظيم الذي يدعوا للفخر والعز والكرامة ورفع الرؤوس مفاخرة بين خلق الله " لأسفل... و شاهدت ما شاهدت. لم يكن الأمر يعنيني بقدر ما يعنيني مشاهدة الشباب الثمانية وهم يتابعون البرنامح برفقة صاحب الصالون الذي يواصل عمله في حلاقة شعر أحد زبونه دون تركيز فيما يفعل برأس الزبون ذو الحظ السيء لأنه جلس على الكرسي في الوقت الخطأ.

مع تركيز مبالغ فيه في شاشة البرنامج يواصل " الحلاق " عمله و الزبون الجالس تحت يديه يسترق النظر من هنا وهناك كي يشاهد الفتاة التي ترقص وتغني...

صدمت من معرفتهم الشديدة بالبرنامج والمشاركين فيه وأسمائهم وكل تفاصيل حياتهم، وقوانين التصويت للمشاركين ومن سيربح ومن سيخسر ويخرج منه مهزوماً عائداً لبلده و بقدر احاطتهم بكل زوايا هذا الموضوع ووالخ...

أقسم بالله شعرت بالغثيان والاشمئزاز؛ ليس مما أرى في الشاشة إنما مما أراه من متابعي الشاشة خاصة من الزبون الذي لا يكترث لما يجري بشعره من انتهاكات بسبب عدم تركيز " الحلاق " في عمله في ثنايا رأسه بقدر ما ما هو مكترث ويسترق النظر ليرى أين وصل سير عمل " عرب اّيدول " في حلقته الجديدة.

قارنت بين اهتمامهم وتركيزهم المبالغ فيه في هذا الأمر و بين لا مبالاتهم وعدم اكتراثهم في قضية الثورة السورية التي راح ضحيتها حتى اللحظة أكثر من 7 اَلاف شهيد، و قضية أسير مضرب عن الطعام لليوم 56 على التوالي من أجل كرامته وكرامة من يتابعون عرب اّيدول بنهمٍ شديد، ونبأ نية المستوطنين باقتحام المسجد الأقصى المبارك...

وصلت لطريق مسدود في تفكيري بما يجري داخل رواق صالون الحلاقة و تساءلت: هل لو كان والد أحد هؤلاء الشباب يتحدث معه في أمر ما؛ هل سيستمع لحديث والده بهذه الطريقة من الإهتمام واليقظة؟ هل لو اختار قناة الجزيرة الوثائقية بطريق الخطأ أثناء بحثه عن احدى قنوات ال ام بي سي و شاهد عبر الجزيرة " بالخطأ طبعاً " فيلم وثائقي عن أي أمر هام من أمور العلم والتكنلوجيا؛ هل سيستمع ويشاهد الفيلم الوثائقي بهذه الطريقة من النهم والرغبة الشديدة في النظر لفتيات راقصات في " عرب اّيدول " ؟؟

تساءلت أيضاً: هل أنا أبالغ بما يجري في عقلي من اشمئزاز من هؤلاء الثمانية و " حلاقنا "؟ أم أن الأمر عادي ولا يستحق أن أعطيه أكثر من حقه؟ أم هل أنا أحب النكد والخوض في تفاصيل الأمور و تعكير صفوة الأمزجة التي من حولي تهز أكتفها وأقدامها على ألحان وأنغام أغانٍ لا تشبه شيء من الفن الهابط سوى ردائته وسوء سيطه؟

كنت عاقد العزم على أن أخاطب الشباب بهذا الكلام لتوعيتهم أو على الأقل من باب النصح لهم؛ لكن قلت في نفسي: إن هم لم يحترموا شخص قدير يكبرني بِ 27 عام ولم يحترموا كلامه ونُصحه لهم؛ فهل سيحترمون كلامي أنا؟؟؟

أحدهم كان ينظر لي و يعرف بقرارة نفسه بأنني غيرُ راضٍ عما يجري وكأنه يقول لي: أنت تبالغ؛ الأمر عادي وبسيط...

يا إلهي... ربما أكون عاطفي وقلبي رقيق لما يجري في سوريا من قتل وذبح واعتقال واغتصاب وتعذيب يومي لشعب يطالب بحق الحرية لا أكثر من ذلك... و أبالغ في قضية خضر عدنان الشيخ الأسير الذي فعل ويفعل ما يعجز عنه الرجال الأشداء في زمن الشدة، و حدث ولا حرج عن مبالغتي وتهويلي لما يجري في القدس من تهويد للمدينة المقدسة.. يا الهي كم أنا أبالغ؟!...

يا أمة " العربيزي " إن لم أبالغ في هكذا أمور وأهتم بها و بأحداثها، و يغلي دمي في عروقي من أجلها وأغضب و تثور حميتي نُصرةً لها؛ فَ من أجل ماذا أبالغ وأغضب وأثور؟؟؟ بالله عليكم من أجل ماذا؟؟ هل من أجل تفاهات بني برميل النفط؟ أم من أجل " بلاطينكم الساحلة " ؟ أم من أجل " شعر رؤوسكم " الذي لا أعرف لمن يقف احتراماً على جلد رؤوسكم؟؟؟


أنا لست ضد أن يُرفه الإنسان عن نفسه ويستمتع بوقته لكن ذلك لا يعني أن يتحول لساذج غير اّبهٍ بما يجري حوله من أحداث في غاية الأهمية تمس كرامته و هويته، أو أن يكون " كَ الحمار يحمل أسفارا "... مع الإعتذار الشديد عل هذه الجملة... لست ضد مبدأ الحياة جميلة ولا ضد الرفاه والبحث عن أوقات السعادة؛ لكن على الأقل في هكذا ظروف و مواقف احترموا " شخصكم و انسانيتكم " بدلاً من أن تهينوها وأنتم تحسبون بأنكم تُحسنون صُنعا...

نعود لصالون الحلاقة.. يا من فضلتم " عرب اّيدول " على شخص قدير نصحكم بمتابعة ما هو خير لكم، و فضلتم خصر راقصة على نبأ استباحة الأقصى، واهانة كرامة شيخ أسير مضرب عن الطعام من أجل كرامته وكرامتكم أقول لكم بكل أسى:
" سحلوا بلاطينكم بزيادة وارفعوا شعر روسكم أكثر وغرقوه بالواكس أكثر وأكثر " فَ للأقصى رب يحميه، و لخضر عدنان رب يطعمه وينقذه من جوعه وعطشه ويحفظ له كرامته ويصونها، ولسوريا رب قادر على أن يخلصها من كل ظالم يستبح دماء وعرض أهلها.

و لكل من لم تعجبه كلماتي هذه و يصفني بالمُبالغ: هذا ما يُرضي ضميري وانسانيتي، ويجعلني أضع رأسي على وسادتي و أنا خالي البال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير