"داعش" وإزدواجية المعايير في محاربتها

07.09.2014 07:27 PM

وطن - كتب: راسم عبيدات: ثمة من يعتقد بأن "داعش" هي نبتة شيطانية أو أسطورة أو هي نتاج إستولاد صناعي خارجي، ومؤامرات أمريكية وغربية أوروبية لفرضها على واقعنا العربي والإسلامي بغرض إستمرار بقائه في عصر ظلماته وجهله وتخلفه، وإن كان هناك دور لأمريكا والغرب الإستعماري في إستولادها وخلقها، لكي تخدم اهدافها ومصالحها، ولكن علينا أن نقر ونعترف أنها بالأساس وليدة سياقاتنا الاقتصادية - الاجتماعية - الثقافية - السياسية - الأمنية - التاريخية والفكرية، مرجعيتها إسلامية، وهي نتاج  واحدة من القراءات الإسلامية التي تكفر الدولة والمجتمع وكل ما هو قائم أو ما يخالفها الرأي والفكر والمنهج من أتباع الديانات والمدارس الأخرى، فعلى سبيل المثال جماعة الفكر الوهابي يرون بأن أصحاب هذا الفكر وأتباعه فقط هم من يطبقون تعاليم الإسلام وما دون ذلك ليس لهم علاقه بالإسلام، ويخطؤون كل المذاهب والمدارس الإسلامية الأخرى، وحتى يكفرون ويشيطنون الشيعة والعلويين واليزيدية ...الخ، واتباع الديانات الأخرى من مسيحية وغيرها، وهذا ينطبق أيضاً على الأحزاب والجماعات الإسلامية الأخرى، التي تعتقد انها ممثلة الله على أرضه، وهي صاحبة الحقيقة المطلقة، مالكة الحق الحصري في منح صكوك الغفران لمن تشاء وبطاقات التكفير والتخوين لمن تشاء من عباده.

"داعش" هي الإبنة الشرعية ل"فقه البداوة"وفكر وفقه طورا بورا وسجون غوانتونامو وغيرها، "داعش" تنمو حيث يوجد الجوع والفقر والجهل والتخلف والتهميش والقهر والشعور بالظلم الإجتماعي وعدم العدالة الإجتماعية، وكذلك القهر الوطني والقومي، وشيوع الفساد والنهب والقمع والديكتاتورية  وثقافة القطيع والسيطرة على مقدرات البلد وغيرها.

"داعش" تنيظم دولة الخلافة في بلاد الشام والعراق التي لقيت كل أشكال الدعم والرعاية والحضانة من قبل امريكا والغرب الإستعماري ودول المحيط والأطراف الدائرة في فلكها من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز،  سبحان الله فجأة في نظر الرئيس الأمريكي اوباما أصبحت، بعد ذبحها للصحفي الأمريكي "مولي" تنظيم إرهابي متشدد وخطر سرطاني يجب إجتثاثه قبل أن يتمدد ويطال قلب اوروبا الغربية وامريكا، واصبح من الضروري تشكيل تحالف إقليمي- دولي لمحاربته، وهذا  التحالف فقط أصبح مطلوباً تشكيله بعد ان تجاوزت داعش الخطوط الحمر في العراق، والإقتراب من مصالح أمريكا واسرائيل"قاعدة التجسس والنفط" في أربيل.

الخطورة  في العراق تكمن في  ان تخرج  "داعش" عن السيطرة، ويرتد إرهابها الى حواضنها وصانعيها وينقلب السحر على الساحر، تماماً كما حصل مع جماعة طالبان وغيرها من الحركات التكفيرية والإرهابية التي خلقتها أمريكا والغرب الإستعماري لإستخدامها في خدمة اهدافها ومصالحها، فهي تكون حركات تناضل من اجل الحرية عندما تخدم الأهداف والمصالح الأمريكية وتنفذ الدور المرسوم لها من قبلها، وعندما تتمرد عليها وتخالف تعليماتها واوامرها، او تنتهي مدة صلاحيتها والغرض والفائدة منها، تماماً كما هو حال  كل جاسوس او حركة عميلة، يتم محاربتها وتصفيتها وشيطنتها وإتهامها بالقتل والإرهاب، او الإستغناء عنها، ومثال ذلك إسرائيل خلقت جيش جنوب لبنان لحماية  وخدمة مصالحها في لبنان، وعندما كف عن القدرة على القيام بالدور والمهمة المنوطة به، تخلت عنه ورمت عناصره كالكلاب، وحتى لم تبلغ قيادته عندما خرجت من لبنان تحت ضربات المقاومة في آيار /2000، وكذلك حركة طالبان في افغانستان، والتي استخدمت لمواجهة الخطر الشيوعي ومحاربة الروس في أفغانستان، ما ان نجحت في طرد الروس من أفغانستان، وإرتدت على مشغليها من الأمريكان ومشيخات النفط حتى تم شيطنتها، وأصبحت حركة ومنظمة إرهابية ومنظمات إرهابية يجب محاربتها.

واليوم حركة "داعش" خصوصاً انها في العراق حاولت التقدم نحو اربيل أكبر قاعدة تجسس امريكية – اسرائيلية هناك، وكذلك  وجود حقول النفط الغنية فيها، وبالتالي وقوعها تحت سيطرة "داعش" يشكل خطر مباشر على مصالح امريكا وإسرائيل، ولذلك بالضرورة ان يتم محاربتها والتعامل معها بحزم، ولكن تلك الحركة التي لعبت أمريكا وحلفائها من الغرب الإستعماري وجماعة الحالمين بالخلافة في أنقرة ومشيخات النفط والكاز دوراً مركزياً في ان يمدوها بكل مقومات  القوة والبقاء والتمدد، ويحولها من حركة صغيرة الى حركة تضاهي أقوى الجيوش، ويستقدمون لها العناصر والإحتياط البشري من عشرات الجنسيات، ويضخون ويغدقون عليها الأموال بمئات الملايين، بل المليارات، ويزودونها بأحدث الأسلحة، ويقدمون لها كل التسهيلات والدعم اللوجستي والإستخباراتي، ويستحضرون كل شيوخ الفتنة ورجال الإفتاء، لكي يبرروا لهم محاربة النظام السوري من اجل إسقاطه، حتى وصل الأمر حد الإفتاء بما يسمى جهاد النكاح، في تشويه وتحريف لمعنى الجهاد، ولا اعتقد بأن الدعوة الأمريكية الملتبسة والتي تحمل معايير انتقائية ومزدوجة لتشكيل التحالف الإقليمي والدولي للحرب على "داعش"، هي دعوة حقيقية وصادقة،بل هي دعوة ملتبسة، ولا تشمل ضرب وتصفية حركة "داعش" في سوريا، فهي لها دور مرسوم يخدم الهدف والمصلحة الأمريكية،ودول المحيط الدائرة في فلكها من مشيخات النفط والكاز وجماعة الخلافة في انقره بالأساس إسقاط ما يسمى بنظام "الطاغية" في سوريا، وهذا التحالف يستثنى منه روسيا والصين وايران، فهؤلاء ليس بالوارد مشاركتهم في هذا التحالف،فهم جزء من المنظومة المعادية، ومعايير امريكا والغرب الإستعماري الإنتقائية والمزدوجة وال"معهرة" للمعايير والقوانين والقرارات الدولية معروفة جيداً، ونحن كشعب فلسطيني نتلمسها يومياً، حيث امريكا والغرب الإستعماري، يجعلون من دولة الإحتلال الصهيوني دولة فوق القانون، ويوفرون لها الدعم والمظلة والحماية في المؤسسات الدولية من أية قرارات او عقوبات قد تتخذ بحقها او تفرض عليها، نتيجة جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وخرقها للقانون الدولي.

فكرة تشكيل تحالف إقليمي ودولي ضد حركة "داعش" هي فكرة صحيحة ولكن لا يمكن لها ان تستقيم بالتعاطي والتعامل بالمعايير المزدوجة معها، حركة حرية في سوريا لخدمتها لمصالح امريكا، وتنفيذها لأجنداتها، ولا يجوز محاربتها أو محاربة ابائها ومصدريها ومموليها الحقيقيين من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز، ويجب ان تذبح وتطارد وتلاحق في العراق عندما، تصبح خطراً على المصالح الأمريكية هناك.
أمريكا لا تريد ان تقضي على حركة "داعش" بل تريد لها ان تبقى في حدود السيطرة عليها، فهي تريد أن تستنزف الخزائن الخليجية من الأموال، لكي تشغل مصانع سلاحها، ولكي تبقى "داعش"البعبع"الذي تخيف به تلك المشيخات، وبالمقابل تريد لها ان تستمر في تدمير سوريا والعراق وإضعافها الى أقصى حد ممكن، وبما يحولها الى دول فاشلة، ولا تشكل خطر لا على مصالحها ولا على اسرائيل لعشرات ان لم يكن مئات الأعوام القادمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير