دلالات إختيار العصرية الجامعية سميح القاسم الشخصية الاكاديمية والثقافية للعام 2014

01.09.2014 09:34 AM

بقلم: حسن عبد الله

التكريم في الحياة والتكريم في الموت الحياة، هذا ما فعلته الكلية العصرية الجامعية حينما حولت الذكرى السنوية لميلاد الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الى مهرجان إبداعي حاشد لتكريم شاعر حمل روحه على كفه. ممازجاً ومزاوجاً بين القصيدة والبندقية ، فمضى عبد الرحيم محمود شهيداً مضمخاً بدمه و دم القصيدة. في المهرجان ذاته كرمت العصرية الجامعية الشاعر سميح القاسم، حيث تسلمت درع التكريم ابنة اخيه الإعلامية ايمان القاسم، ولم يستطع شاعرنا الكبير حضور المهرجان بسبب مرضه، الا انه أصر على الحضور بصوته عبر الهاتف، فجاءت كلماته طازجة حية حيوية مفعمة بالأمل والتشبث بالحلم.

قال القاسم واصفاً عبد الرحيم محمود إنه صدق العهد عندما أعطى مصداقية خاصة للقصيدة في ميدان الكفاح، ليجسد تلاحماً بين المناضل المقاوم والنص الإبداعي. وفي حفل تخريج فوجها الواحد والثلاثين اعلن مجلس امناء العصرية الجامعية إختيار القاسم شخصية العام 2014 الثقافية والأكاديمية في أجواء من التصفيق والهتاف لشاعر مقاوم ظل يكتب لفلسطين حتى اللحظة الأخيرة في حياته.

لم يأت صوت القاسم هذه المره عبر الهاتف فقد توقف قلبه، بعد أن ارهقه المرض واشتعال الحب والإنتماء بين ضلوعه حد انهاك جسده الذي لم يحتمل هذا الاشتعال المستمر على مدى عقود من الزمن. لم يقل لنا القاسم ان هذا التكريم هو تكريم للأدب المقاوم، ولم يقل إن التكريم هو مثال على اعادة الاعتبار للثقافي والإبداعي في المؤسات التعليمية والأكاديمية، بعد تراجع اهتمامها مقارنة بالتسعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لم يقل القاسم ذلك، وإنما المناسبة هي التي قالت وأكدت، تماماً كما أعلن نخبة من الاكاديميين والسياسيين والمثقفين الذين شاركوا في حفل التخريج المذكور. "سميح القاسم الشخصية الثقافية و الاكاديمية للعام 2014 "، في هذا الاختيار دلالات نسوق أهمها:

أولاً: إن الثقافي لا يجوز فصله تعسفياً في المؤسسات التعليمية عن الأكاديمي ، فالثقافي يعطي للأكاديمي أفاقاً أرحب و رؤية أبعد وحساً أكثر إرهافاً. الثقافي يجعل المؤسسة التعليمية تقف عن قدمين متكاملتين في مسيرة تحتاج للاثنتين معاً، اذ لا تعوض قدم واحده غياب الأخرى، والا تصبح العملية عرجاء تسير مترنحه في إتجاه غير واضح المعالم.
ثانياً. لقد اضطلعت المؤسسات التعليمية بدور ثقافي وإبداعي مميز في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، غير أن هذا الدور تراجع، وبالتالي اصيبت الحاله الثقافية في مؤسساتنا التعليمية بعطب يحتاج الى مزيد من العمل والمبادرات من أجل ترميمه واصلاحه.
ثالثاً. إعادة الاعتبار للثقافي والابداعي في المؤسسات التعليمية، ليس عملية مستحيلة، بل ان الامر يتطلب قراراً وخططاً ومنتديات تأخذ على عاتقها الاستنهاض.
رابعاً. كانت مجالس الطلبة بلجانها الثقافية مصدر اشعاع معرفي وابداعي في المؤسسات التعليمية، لكنها حصرت اهتمامها موخراً في استقطابات ومناكفات ومنافسات وتناقضات بين الكتل الطلابية، فأين معارض الكتب وأين الندوات والمناظرات والمسابقات الثقافية داخل المؤسسة الواحدة وبين المؤسسات التعليمية الاخرى، كما كان حال حركة الفعل الثقافي قبل عقود!!
خامساً. لا يكفي ان نظل نكتب مقالات ودراسات عن الأزمة الثقافية، وانما المهم بعد ان شخصنا الواقع بكثير من الاسهاب، ان ننتقل الى حركة الفعل، فيما الجامعات والمعاهد ينبغي ان تبادر من خلال دوائر اللغة العربية والادارات ومجالس الامناء ومجالس الطلبة، فتشخيص المرض يظل قاصراً اذا لم يتبعه علاج عملي.
سادساً. تجارب شعرائنا وروائيينا من المفروض ان تعطى اولوية في المناهج وتخصص لها مساقات تكون بمستوى ما كتبوا وابدعوا، حتى لا تصبح العملية الابداعية في واد والعملية الاكاديمية في واد آخر.
وأخيراً، انا ادرك ان القاسم كما هو درويش قد حظيا ببعض الدراسات الأكاديمية حول تجربتيهما الإبداعية، لكن ما تم تناوله في الرسائل الأكاديمية حول ما انتجا هو نقطة في بحر، وهذا ينسحب ايضاً على غسان كنفاني ومعين بسيسو وجبرا ابراهيم جبرا وآخرين آخرين.

أن تصل متأخراً أفضل بالطبع من عدم الوصول، فهل تنبري المؤسسات التعليمية في بلادنا لهذه المهمة، بما ينسجم مع طبيعة دورها الاكاديمي والثقافي، ام ستظل تسير على قدم واحد؟ اعتقد ان الاجابة عن هذا السؤال منوطة بالقائمين على هذه المؤسسات من ادارات، وايضاً من مجالس طلبة ولجان ثقافية، لان الحركة الطلابية قامت في الماضي بدور ثقافي وابداعي اسهم بشكل فعلي وعملي في تنشيط وتفعيل الحياة الثقافية الفلسطينية، وان الفرصة الآن اصبحت مواتية للعمل على اعادة الاعتبار الثقافي الذي هو احد الركائز المهمة لمقوماتنا الوطنية والقومية والانسانية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير