العرب وفوز أردوغان

14.08.2014 12:49 AM

وطن - كتب احمد جميل عزم:  تؤدي المبالغة في الاحتفال العربي برجب طيب أردوغان وفوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، إلى تساؤلات حول استيعاب دروس فوز الرئيس المصري السابق محمد مرسي، خصوصاً من قبل أطراف مثل الإسلاميين الفلسطينيين القريبين من حركة "حماس". كما أنّه وبالمثل، يثير التقليل من شأن هذا الفوز والهجوم على أردوغان، تساؤلات حول تغليب العداء للإسلاميين على حسابات الواقعية السياسية، وعلى الاعتراف بدور أردوغان في مناصرة قضايا عربية أهمها فلسطين.

وصل احتفاء وجوه إسلامية بارزة بفوز أردوغان حد اعتبار ذلك "انتصاراً للشعب الفلسطيني وكل قضايا الأمة". وقال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" عزت الرشق: "اليوم فازت القدس وغزّة ورام الله". ونقل موقع "نقطة وأول السطر" قول يحيى موسى، القيادي في "حماس" أيضاً، نقلا عن فضائية "القدس"، إنّ "الانتصار في تركيا وفوز أردوغان هو صدى للانتصار في غزة". فيما رد آخرون بأنّ أردوغان صاحب حلم عثماني، وجزء من مشروع "إخواني" (الإخوان المسلمون) للسيطرة على المنطقة؛ وتحدثوا عن اتهامات الفساد بحقه، وعن سجله في سجن الصحفيين والسياسيين المعارضين، وعن علاقات تركيا التجارية القوية مع إسرائيل، أو كما قال د. سمير غطاس: "تركيا عضو في حلف (شمال الأطلسي) "الناتو"، كما أن لها علاقات مع إسرائيل، سواء المستوى التجاري أو السياسي أو غيره".

يشكل الإصرار على المبالغة في الاحتفال بفوز أردوغان وحزبه في تركيا، نوعاً من الإصرار على الاعتقاد والإعلان صراحةً بأنّ هناك تنظيما، أو إطارا، عابرا للحدود، يعتبره الإسلاميون جسداً واحداً، من دون الأخذ بالاعتبار أنّ هذا الطرح غير دقيق وغير واعٍ. فهناك خلافات وحسابات وطنية وحزبية مختلفة بين إسلاميي كل قُطر. والمبالغة في الابتهاج نوع من البحث عن أي انتصار، بهدف رفع معنويات المؤيدين. ولكنه يعني تجاهلاً لدروس تأييد الإخوان المسلمين في مصر، وأول هذه الدروس أنّه عندما كان الإسلاميون في الحكم لم يتمكنوا من فعل الكثير لصالح غزة وقضية فلسطين أو قضايا أخرى، بسبب الأولويات الوطنية. وثاني درس، أنّ هزيمة أو خروج الإسلاميين من الحكم لأي سبب، قد يجعل حلفاءهم (مثل "حماس") يدفعون ثمناً باهظاً. وأنّ منافسين لأردوغان لا يتبنون بالضرورة مواقف غير مناصرة للقضية الفلسطينية.

في المقابل، يبدو أنّ التقليل من أهميّة فوز أردوغان، عندما يأتي الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية، أمرٌ غير مفهوم، ولا يدخل إلا في إطار الإصرار على النكاية المطلقة بالإخوان المسلمين، ولو على حساب قضايا ومكاسب سياسية فلسطينية. وهو ذات المنطق الذي تقارب مع النظام السوري عندما ابتعدت حركة حماس عنه، وحاول التقارب مع إيران عندما ابتعدت عن الحركة، أو على الأقل عن جزء منها. ولا يجب نسيان أنّ مواقف أردوغان وتركيا لم تكن دعماً حصريّاً للإسلاميين الفلسطينيين، بقدر ما هي دعم للقضية الفلسطينية؛ أليست أنقرة أشد وأهم من ناصر القيادة الفلسطينية في السعي للفوز بالاعتراف الدولي في الأمم المتحدة؟ وأليست المكان الذي اجتمع ويجتمع فيه الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس مع سفراء فلسطين في بعض الحالات للتنسيق؟ فهل يمكن تضييع حليف مثل هذا؟

من المنطقي الابتهاج بفوز أردوغان لعدد من الأسباب، ولا يجوز أن تطغى الخلافات مع الإسلاميين على التحليل الموضوعي. لكن أيضاً خلافات أردوغان مع أطراف عربية فاعلة يجب أخذها بالاعتبار، وعدم التورط في استعداء أطراف جديدة، قد لا تكون معادية، وبل وقد تكون مناصرة للقضايا الفلسطينية والعربية. ومن المنطقي الإدراك أنّ العامل الوطني الفلسطيني الذاتي هو الأساس في الشِق الفلسطيني، أي التعويل على هذا العامل، وأنّ الأطراف المختلفة يمكن أن تكون حلفاء لأسباب منها المصالح، ومنها الأبعاد العقائدية والثقافية، وأنّ المطلوب تطوير هذا التحالف ولكن من دون الوقوع في تجاذبات داخلية في بعض الدول، ومن دون مبالغة في توقع الدعم المرجو من بعض الحلفاء، ومن دون استقواء بهم ضد أطراف داخليين، ومن دون توقع ديمومة القوة السياسية لطرف ما، أو حتى الاعتقاد بأنّ المواقف والتحالفات السياسية غير متغيرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير