هكذا لم تحصل ابنتي ضريبة على شهادة ميلاد.... بقلم : إياد الرجوب

29.01.2012 01:40 PM
في عام 2021 كانت ابنتي "العديمة الاسم" قد أتمت من العمر ست سنوات، فجاءتني بعدما رأت بعض مُجايلاتها يحملن حقائبهن ويذهبن للمدرسة، وسألتني: لِمَ يا أبي لا أذهب للمدرسة اليوم؟ فقلت لها يا ابنتي سامحيني، فقصتك طويلة، وأصرت أن أحكي لها إياها، فرحت أسردها لها بإيجاز:
في صيف عام 2015 توجهت إلى مديرية الداخلية لأسجل مولودتي الجديدة، فتفاجأت بالموظف يطلب مني براءة ذمة.
سألته: براءة ذمة ممَّ يا أخي؟ فأجاب: من دائرة الأملاك، والبورصة، وسلطة النقد، والبلدية، ووزارة المواصلات، ووزارة الزراعة، ووزارة الاقتصاد، ووزارة العمل، ومن شركة الكهرباء، وسلطة المياه، وشركة الاتصالات، وشركة حضارة، وشركة جوال، وشركة الوطنية (كنت في ذاك العام أحمل شريحتين)، ومن الجيران والأصدقاء.
قلت له إن معلوماتي كانت أن براءة الذمة أحصل عليها من البلدية وينتهي الأمر.
قال: هذا كان قبل عام 2012، لكن الحكومة رأت مؤخرا وجوب تبرئة الذمة من كل الجهات السابقة.
فسألته عن تكاليف ذلك، فأجاب بأن كل جهة تطلب عشرين شيقلا عن "طَجّ" ختمها على الورقة.
فسألته إن كانت هناك مستلزمات أخرى لتسجيل المولودة غير براءة الذمة، فأجاب: هناك ضرورة لإحضار عدم محكومية من وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، ومحكمة الصلح، ومحكمة البداية، والشرطة، والمخابرات، والوقائي، وكل جهة من تلك تتقاضى عشرين شيقلا عن "طَجّ" الختم أيضا.
قلت: كنت أعرف أن عدم المحكومية يصدر عن وزارة العدل فقط وبعشرة شواقل، فلمَ كل هذا التفتيت والتشتيت؟ فأجاب: واضح أن معلوماتك يا أخي قديمة، فما تقوله كان قبل عام 2013، أما اليوم فهناك حاجة لدعم كل جهة بشكل منفرد، عدا عن حاجة سائقي أصحاب سيارات "الطلبات" للدعم أيضا، والـ"15" شيقلا للطلب الداخلي (عام 2011 كان الطلب 10 شواقل) من كل مواطن تساعد هؤلاء السائقين على دفع ضرائب سياراتهم للسلطة بانتظام.
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتوكلت على الله، وخرجت متوجها إلى البنك لأسحب كل ما وفرته من نقود (وهي لا تتعدى ألف شيقل) وذهبت لعملي وقدمت إجازة لأسبوع، كي أنطلق في ماراثون التوقيعات.
خمسة أيام وأنا "ألِف وأدور" على تلك الجهات حتى انتهيت منها جميعا، لكن ما حصل معي خلال هذه الأيام الخمسة كان يستحق التدوين أيضا.
ففي مديرية ضريبة الأملاك ثبت بالوجه الشرعي أنني أملك بيتا من طابقين بمساحة مئة وخمسين مترا مربعا لكل طابق، فرفضوا "طَجّ" الختم قبل أن أدفع لهم ضريبة البيت البالغة خمسة دنانير للمتر المربع الواحد، وهنا كان "تكبير الجهد"، فما أملكه من نقود بالكاد يكفي لعشرينات الجهات المطلوب ختمها، فكيف سأوفر مبلغ 1500 دينار ضريبة الـ"300" متر التي تشكل بيتي؟
فكرت في كل من أعرفهم من أفراد الطبقة الاجتماعية للموظفين الحكوميين أمثالي، فلم يقع تفكيري على موظف يمكن أن يملك مثل هذا المبلغ، فتذكرت صاحب محل خردة شكوته للحكومة عدة مرات على حرائق الخردة التي كان يشعلها لاستخلاص المعادن منها وبيعها بآلاف الشواقل على حساب صحة أهالي قريتي، فهو يكنز اليوم ملايين، بعدما لم تمسه الحكومة بأي سوء على سرطاناته التي غرسها في صدور البشر.
زممت نفسي بكل خجل وحياء وعرق متصبب من جبهتي وذهبت إليه أستدين المبلغ، فكأنه كان ينتظر قدومي، ونقدني الـ"1500" دينار وكأنها 1,5 شيقل، ولم يسألني كيف سأسددها رغم يقينه بأنني لن أستطيع سدادها ما دامت حكومة سلام فياض تواصل ولاية تلو ولاية، وتعديلا في القوانين تلو تعديل، وإقرار ضريبة تلو أخرى، وليزيدني صاحب الخردة اطمئنانا، قال لي: رد المبلغ متى شئت.
عندما عدت لمديرية الداخلية محملا بالأوراق والأختام "المطجوجة"، تفاجأت بالموظف هناك يقول لي هذه المرة: إن المعلومات عندنا تفيد بأن راتبك "يا دوب" يكفيك، فمن أين دفعت "1500" دينار لضريبة الأملاك؟ قلت: استدنتها من صاحب محل خردة. فقال: عليك أن تحضر منه براءة ذمة.
كان هذا الطلب أسهل طلب مع أنني كنت قد أُحبطت تماما، فقد كتب لي صاحب محل الخردة ورقة ووقعها وختمها بخاتم الخردة العفن يقول فيها إنه ليس له عندي أي شيقل، ويبرئ ذمتي من أي دين، وقال لي: أصلا أنا سامحتك في المبلغ منذ خرجت من عندي. قال ذلك وعيناه توحيان بأنه لا يأمل لي حياة أوفر فيها المبلغ لأسدده، فأدخنة حرائق خردته كفيلة بموتي قبل التوفير، عدا عن أنه بمسامحته لي عن ذاك المبلغ يضمن "خَرَسي" عنه وتوقفي عن رفع الشكاوى به للحكومة.
حملت براءة الذمة من مجرم الخردة وانطلقت "أتنطنط" تجاه الداخلية وقد ارتحت من هم الدَّين، فناولتها للموظف، أخذها برفق مندهشا بمسامحة ذاك المجرم لي، حفظها في الملف لديه، ثم قال: الآن عليك أن تدفع في صندوق الداخلية المجاور ضريبة الحياة، فسألت: وما هي ضريبة الحياة، فأجاب إنها ضريبة فرضتها الحكومة منتصف عام 2014 على كل مواطن حي، وقيمتها عشرة دنانير عن كل سنة حياة، تُدفع ما دمتَ حيًا، ويتوقف دفعها يوم وفاتك، فمطلوب منك أن تدفع ضريبة حياتك وحياة زوجتك أيضا.
عندها لم أعرف كم بلغت من العمر بعدما صار طويلا وكنت "بَطّلت أحسب" قبل عدة سنوات، تذكرت سنة ميلادي وحسبت الفارق حتى عام 2015، فوجدته 40 سنة، وحسبت عمر زوجتي فوجدته ثلاثين سنة، وجمعت العُمرين وضربت المجموع في 10 دنانير فكان حاصل الضرب 700 دينار، وقفز عندي السؤال: كيف سأتدبر المبلغ دون أن أحتاج لبراءة ذمة؟ فلم أجد وسيلة أفضل من التسول باب المسجد الكبير في المدينة بعد صلاة الجمعة، وفعلا جمعت المبلغ، ودفعته في صندوق الداخلية وأخذت الوصل وأعطيته لموظف الداخلية وأخبرته بأن جمع المبلغ كان عن طريق "الشحدة"، فتقبل الوضع لأنه صار أعرف الناس بوضعي المادي.
احتفظ بالوصل عنده وقال لي: الآن بقي مطلوبا منك استكمال آخر بند من بنود تسجيل المواليد الجدد، وهو أن تدفع في صندوق الداخلية المجاور ضريبة المواليد الجدد، فسألته: ومتى فُرضت هذه الضريبة وما هي؟ فأجاب: أقرتها الحكومة وصادقت عليها مطلع عام 2015، وهي ضريبة عن كل مولود جديد يتم الحمل به وإنجابه بصورة طبيعية، سواء أكان ذكرا أم أنثى، ويُستثنى من ذلك مواليد عمليات الزراعة (أطفال الأنابيب)، لأنهم يدفعون قيمتها تقريبا لمراكز الإخصاب، أما قيمة هذه الضريبة فهي 10 آلاف شيقل تُدفع لمرة واحدة، اذهب وتدبر شأنك وادفعها في الصندوق ثم عُد إلي.
هنا، ذهبت فعلا، لكن إلى البيت ولم أسع لتدبر المبلغ، وتوكلت على الله وأبقيتك يا ابنتي دون تسجيل حتى اليوم، لأنني ما زلت أحاول توفير المبلغ ولم أستطع في ظل الضرائب المتتابعة والفواتير المتزايدة والرواتب المتناقصة والصحة المتدهورة، وسياسة الحكومة غير القابلة للتغيير.
أرجوك أن تسامحيني يا ابنتي، فالمدرسة تشترط شهادة الميلاد التي تعطل صدورها عند بند ضريبة المواليد الجدد، فأنا سأتولى تدريسك في البيت ولا تهتمي بالشهادات الأكاديمية، ففي عام 2012 عدل رئيس الوزراء قانون الخدمة المدنية ليعطي الأهمية في التوظيف للخبرة العملية لا للشهادة الأكاديمية، أما بالنسبة للاسم، فيمكنك منذ اليوم مناداة نفسك بـ"ضريبة" لأن المستقبل كله للضريبة في ظل انسداد الأفق أمام زوال حكومة الضرائب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير